خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى ( تفسير الشعراوى )
كاتب الموضوع
رسالة
الشيخ الطبيب الإدارة
برجك الروحانى : عدد الرسائل : 899 العمر : 41 من أى دولة : مصر السٌّمعَة : -1 نقاط : 1769 تاريخ التسجيل : 28/05/2007
موضوع: خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى ( تفسير الشعراوى ) الأحد 20 فبراير - 15:10
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله كما علمنا أن نحمد، وصلى الله وسلم على رحمته وخاتم رسله سيدنا محمد وبعد ...
فهذا حصاد عمري العلمي ، وحصيلة جهادي الإجتهادي.
شرفي فيه أنى عشت كتاب الله ، وتفانيت لأستقبال فيض الله ولعلى أكون قد وفيت حق إيماني وأديت واجب عرفاني وأسأل الله سبحانه أن تكون خواطري هذه مفتاح خواطر من يأتى بعدي ، وكتاب الله لا تنقضى عجائبه حتى يرث الله الأرض ومن عليها ، وحينئذ نعلم من الله ما أدخره لمن هداه
وحسبنا الله ونعم الوكيل
محمد متولي الشعراوي
***********************
مدخل
بسم الله الرحمن الرحيم .. والحمد لله رب العالمين ..
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
خواطري حول القرآن لا تعني تفسيراً للقرآن .. وإنما هى هبات صفائية .. تخطر على قلب مؤمن فى آية أو بضع آيات .. ولو أن القرآن من الممكن أن يفسر .. لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى الناس بتفسيره .. لأن عليه نزل وبه إنفعل وله بلغ وبه علم وعمل .. وله ظهرت معجزاته . ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم .. اكتفى أن يبين للناس على قدر حاجتهم من العبادة التى تبين لهم أحكام التكليف فى القرآن الكريم وهى إفعل ولا تفعل .. تلك الأحكام التى يثاب عليها الإنسان إن فعلها ويعاقب إن تركها .. هذه هى أسس العبادة لله سبحانه وتعالى .. التى أنزلها فى القرآن الكريم كمنهج لحياة البشر على الأرض ..
أما الأسرار المكتنزة فى القرآن حول الوجود، فقد إكتفى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما علم منها .. لأنها بمقياس العقل فى هذا الوقت لم تكن العقول تستطيع أن تتقبلها ، وكان طرح هذه الموضوعات سيثير جدلا يفسد قضية الدين، ويجعل الناس ينصرفون عن فهم منهج الله فى العبادة إلى جدل حول قضايا لن يصلوا فيها إلى شيء والقرآن لم يأت ليعلمنا أسرار الكون، ولكنه جاء بأحكام التكليف واضحة وأسرار الوجود مكتنزة .. حتى تتقدم الحضارات ويتسع فهم العقل البشري ..
فيكشف الله سبحانه وتعالى من أسرار الكون ما يجعلنا أكثر فهماً لعطاءات القرآن لأسرار الوجود، فكلما تقدم الزمن وكشف الله للإنسان عن سر جديد فى الكون ظهر إعجاز فى القرآن .. لأن الله سبحانه وتعالى قد أشار الى هذه الأيات الكونية فى كتابه العزيز .. وقد تكون الإشارة إلى آية واحدة أو بضع آيات .. ولكن هذه الآية أو الآيات تعطينا إعجازاً لا يستطيع العلم أن يصل إلى دقته.
والقرآن الكريم حمل معه وقت نزوله معجزات .. تدل على صدق البلاغ عن الله سبحانه وتعالى .. وعن صدق رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وكانت أول معجزة أن القرآن كلام الله .. فيه عطاء الله ما تحبه النفس البشرية ويستميلها ..
إنه يخاطب ملكات خفية فى النفس لا نعرفها نحن ولكن يعرفها الله سبحانه وتعالى خالق الإنسان وهو أعلم به .. هذه الملكات تنفعل حين تسمع القرآن فتلين القلوب ويدخل الإيمان إليها .. ولقد تنبه الكفار إلى تأثير القرآن الكريم فى النفس البشرية .. تأثيراً لا يستطيع أن يفسره أحد .. ولكنه يجذب النفس إلى طريق الإيمان ويدخل الرحمة فى القلوب.
لذلك كان أئمة الكفر يخافون أكثر ما يخافون .. من سماع الكفار للقرآن .. ويحاولون منع ذلك بأية وسيلة .. ويعتدون على من يتلو القرآن .. ولو أن هذا القرآن لم يكن كلام الله الذى وضع فيه من الأسرار ما يخاطب ملكات خفية فى النفس البشرية .. ما هتم أئمة الكفر أن يستمع أحد للقرآن أو لا يسمع .. ولكن شعورهم بما يفعله كلام الله .. جعلهم لا يمنعون سماع القرآن فقط .. بل قالوا كما يروى لنا القرآن الكريم:
وهكذا نعرف أنه حتى أهل الكفر كانوا لا يمنعون سماع القرآن فقط .. بل يطلبون من أنصارهم أن يلغوا فيه، ومعناها (يشوشرون عليه) .. ولا يمكن أن يكون هذا هو مسلكهم وتلك هى طريقتهم الا خوفاً مما يفعله القرآن فى كسب النفس البشرية إلى الإيمان .. إن مجرد تلاوته تجذب النفس الكافرة إلى منهج الله .
ولو نأخذ مثلاً قصة اسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه .. نجد أنه علم أن اخته فاطمة وزوجها ابن عمه سعيد بن زيد قد أسلما .. فأسرع اليهما ليبطش بهما وحاول أن يفتك بسعيد بن زيد .. فلما تدخلت زوجته فاطمة لحمايته .. ضربها حتى سال منها الدم .. وعندما رأى عمر الدم يسيل من وجه أخته فاطمة .. رق قلبه وحدث فى قلبه انفعال بالرحمة بدلاً من انفعال الإيذاء .. فخرج العناد من قلبه وملأه الصفاء .. فطلب من أخته صحيفة القرآن التى كانا يقرآن منها .. وقرأ من أول سورة طه ثم قال ما أحسن هذا الكلام وأكرمه .. ثم أسرع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلن اسلامه .. ولذلك فإنه اذا خرج العناد والكفر من القلب .. واستمع الإنسان بصفاء إلى القرآن دخل الإيمان إلى قلبه .
لقد سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه القرآن قبل ذلك ولم يسلم .. ولكنه عندما رأى الدم يسيل على وجه أخته وتبدل انفعال الإيذاء فى قلبه بإنفعال الرحمة .. استقبل القرآن بنفس صافية فأمتلأ قلبه بالإيمان وأسرع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلن اسلامه
ولذلك كان الكفار يحاولون إهاجة مشاعر الكفر فى القلوب حتى لا يدخلها القرآن .. لأنه لكي تستقبل الإيمان يجب أن تخلص قلبك من الكفر أولاً .
وهكذا نرى أن القرآن الكريم لأنه كلام الله .. فان له تأثير خاص فى النفس البشرية .. حتى ان الكفار كانوا يسترقون سماع القرآن من وراء بعضهم البعض .. وكانوا يقولون ان له لحلاوة وان عليه لطلاوة .. وان أعلاه لمثمر ..وان أسفله لمغدق .. وإنه يعلو ولا يعلى عليه .. وكان هذا أول اعجاز لأن القرآن هو كلام الله تبارك وتعالى .
ولقد وقف الصحابة والمؤمنون الذين عاصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند عطاء القرآن وقت نزوله فيما استطاعت عقولهم ان تطيقه من اسرار الكون .. ومن اسرار القرآن الكريم .. فلم نجد صحابياً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معنى آيات الكون فى القرآن .. أو عن عطاءات القرآن فى اللغة .. فمثلاً لم يسأل عن معنى " ألم" .. أو عن " عسق" .. أو "حم" .. مع ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستقبل كثيرين يؤمنون بكتاب الله .. وكثيرين يكفرون بما أنزل الله .. وكان هؤلاء الكفار يريدون أن يقيموا الحجة ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم وضد القرآن الكريم .. لم نسمع أن أحداً منهم .. وهم قوم بلغاء فصحاء عندهم اللغة ملكة وموهبة وليست صناعة .. لم نسمع أحداً من الكفار قال ماذا تعني " ألم" .. أو "حم" .. أو "عسق ".
كيف يمر الكافر على فواتح السور هذه ولا يجد فيها ما يستطيع ان يواجه به رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجادله؟! .. لقد كانت هذه هي فرصتهم فى المجادلة .. ولا شك ان عدم استخدام الكفار لفواتح السور هذه .. دليل على انهم انفعلوا بها وان لم يؤمنوا بها .. ولم يجدوا فيها ما يمكن ان يستخدموه لهدم القرآن او التشكيك فيه .. ولو ان هذه الحروف فى فواتح السور كانت تخدم هدفهم .. لقالوا للناس وجاهروا بذلك.
رسول الله صلى الله عليه وسلم – وهو الذى عليه القرآن نزل – فسر وبين كل ما يتعلق بالتكليف الإيماني .. وترك ما يتعلق بغير التكليف للأجيال القادمة .. ويمر الزمن ويتيح الله لعباده من أسرار آياته فى الأرض ما يشاء .. فيكون عطاء القرآن متساوياً مع قدرة العقول .. لماذا ؟ لأن الرسالات التى سبقت الإسلام كانت محدودة الزمان والمكان .. أما القرآن الكريم فزمنه حتى يوم القيامة .. ولذلك فلا بد ان يقدم اعجازاً لكل جيل .. ليظل القرآن معجزة فى كل عصر .
***** يتبع المدخل بعون الرحمن *****
عدل سابقا من قبل الشيخ الطبيب في الأحد 20 فبراير - 15:52 عدل 1 مرات
الشيخ الطبيب الإدارة
برجك الروحانى : عدد الرسائل : 899 العمر : 41 من أى دولة : مصر السٌّمعَة : -1 نقاط : 1769 تاريخ التسجيل : 28/05/2007
موضوع: رد: خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى ( تفسير الشعراوى ) الأحد 20 فبراير - 15:11
والقرآن نزل يتحدى العرب فى اللغة والبلاغة .. ولكن لأنه دين للناس جميعاً .. فلابد أن يتحدى غير العرب فيما نبغوا فيه .. ولذلك نزل متحدياً لغير العرب وقت نزوله .. فقد حدثت حرب بين الروم والفرس وقت نزول القرآن .. وكانت الروم والفرس يمثلان فى عصرنا الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفيتي .. كانا اعظم واقوى دولتين فى ذلك العصر .. وحدثت الحرب بينهما وانهزم الروم .. واذا بالقرآن ينزل بقوله تعالى : الم (!)غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ(3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ(4) سورة الروم لو ان هذا القرآن من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فما الذى يجعله يدخل فى قضية كهذه ؟ او يطلب أحد منه ان يدخل فيها .. وكيف يغامر رسول الله صلى الله عليه وسلم فى كلام متعبد بتلاوته إلى يوم القيامة ولا يتغير ولا يتبدل باعلان نتيجة معركة ستحدث بعد سنين؟ .. وماذا كان يمكن ان يحدث لقضية الدين كله لو ان الحرب حدثت وانتصر الفرس مرة اخرى .. او ان الحرب لم تحدث وتوصل الطرفان إلى صلح ؟ انها كانت ستضيع قضية الدين كله .. ولكن لأن الله سبحانه وتعالى هو القائل وهو الفاعل جاءت هذه الآية كمعجزة لغير العرب وقت نزول القرآن ..وحدثت المعركة فعلا وانتصر فيها الروم كما اخبر القرآن الكريم . ولكن القرآن لم ينزل معجزة لفترة محدودة .. بل هو معجزة حتى قيام الساعة .. والقرآن هو كلام الله ، والكون هو خلق الله .. ولذلك جاء القرآن يعطي اعجازاً لكل جيل فيما نبغوا فيه .. اذا اخذنا العلوم الحديثة التى اكتشفت فى القرن العشرين واصبحت حقائق علمية .. نجد ان القرآن الكريم قد اشار اليها باعجاز مذهل .. بحيث ان اللفظ لا يتصادم مع العقول وقت نزول القرآن الكريم .. ولا يتصادم معها بعد تقدم العلم واكتشاف آيات الله فى الأرض .. ولا يقدر على هذا الأعجاز المذهل الا الله سبحانه وتعالى .. اقرأ مثلاً قول الحق تبارك سبحانه وتعالى: وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ(7) سورة ق والمد معناه البسط .. وعندما نزل القرآن الكريم بقوله تعالى : "والأرض مددناها " .. لم يكن هذا يمثل مشكلة .. للعقول التى عاصرها نزول القرآن الكريم فالناس ترى ان الأرض ممدودة .. والقرآن الكريم يقول :"والأرض مددناها".. وتقدم العلم وعرف الناس ان الأرض كروية .. وانطلق الإنسان إلى الفضاء ورأى الأرض على هيئة كرة .. هنا احست بعض العقول بأن هناك تصادمات بين القرآن الكريم والعلم .. نقول لهم أقال الله سبحانه وتعالى أي أرض تلك المبسوطة؟.. لم يقل ولكنه قال الأرض على إطلاقها .. أى كل مكان على الأرض ترى فيه الأرض أمامك مبسوطة. إذا نزلت القطب الشمالى تراها مبسوطة .. وإذا كنت فى القطب داعىوبى تراها مبسوطة .. وعند خط الإستواء تراها مبسوطة .. وإذا سرت من نقطة على الأرض وظللت تسير إلى هذه النقطة فالأرض أمامك مبسوطة .. ولا يمكن أن يحدث هذا أبداً إلا إذا كانت الأرض كروية .. فلو أن الأرض مثلثة أو مربعة أو مسدسة .. أو على أي شكل هندسي أخر .. لوصلت فيها إلى حافة ليس بعدها شىء .. ولكن لكي تكون الأرض مبسوطة أمامك فى أي مكان تسير فيه لا بد أن تكون على هيئة كرة. هذا الإعجاز الذى يتفق مع قدرات العقول .. وقت نزول القرآن الكريم .. فإذا تقدم العلم ووصل إلى حقيقة لما يعتقده الناس .. تجد أن آيات القرآن تتفق مع الحقيقة العلمية إتفاقاً مذهلاً .. ولا يقدر على ذلك إلا الله سبحانه وتعالى . ولو أن النبى صلى الله عليه وسلم تعرض لهذه الآيات الكونية تعرضاً لا يتناسب مع إستعدادات العقول وقت نزول القرآن .. فإنه ربما صرف العقول عن أساسيات الدين إلى جدل فى أسرار كون لا يستطيع العقل أن يستوعبها أو يفهمها .. ولكن الحق تبارك وتعالى ترك فى الكون أشياء لوثبات العقول فى العلم .. بحيث كلما تقدم العلم وجد خيطاً يربط بين آيات الله فى الكون وآياته فى القرآن الكريم ..ولو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فسر كونيات القرآن وقت نزوله لجمد القرآن ..لأنه لا أحد منا يستطيع أن يفسر بعد تفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم ..وبذلك يكون عطاء القرآن قد جمد..ولكن ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم للتفسير أتاح الفرصة لعطاءات متجددة للقرآن الكريم إلى قيام الساعة .. وهكذا كان المنع هو عين العطاء .. وهذه معجزة أخرى من إعجاز القرآن الكريم كلمة قرآن ساعة تسمعها تفهم أنه يقرأ .. قرآن مصدر قرأ مثل غفر غفراناً .. ولكن بعد نزول القرآن الكريم أصبح لفظ قرآن إسماً بكلام موحى به من الله سبحانه وتعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بقصد التحدي ..ويسميه الله تبارك وتعالى كتاب .. إذن هو قرآن إذا أخذنا أنه يقرأ .. وهو كتاب إذا أخذنا أنه يكتب .. والقراءة تستلزم حافظاً والكتابة لا تستلزم حافظاً .. فالإنسان حين يقرأ من كتاب ليس محتاجا إلى الحفظ، ولذلك فللقرآن وسيلتان من وسائل التلاوة: يحفظ فى الصدور ويسجل فى السطور .. بحيث تستطيع فى أي وقت أن تقرأ من الكتاب . وحين بدأ تدوين القرآن الكريم كتابة كان لا يكتب منه آية إلا إذا كانت مكتوبة على جذوع النخل او الجلود .. أو أية وسيلة اخرى من وسائل الكتابة فى عصر نزول القرآن .. وزيادة على أن الآية تكون مكتوبة ..كان لا بد أن يكون هناك إثنان على الأقل من الصحابة الحافظين لها .. إلا آية واحدة لم توجد مكتوبة بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عند حافظ واحد فقط وكان القياس يقتضي ألا تكتب وهي قوله سبحانه وتعالى " مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23) سورة الأحزاب ولكن انظر إلى الخواطر الإيمانية يقذفها الحق سبحانه وتعالى فى قلوب المؤمنين ليكمل منهجه .. هذه الآية لم يوجد من يحفظها إلا خزيمة بن ثابت ، وعندما ثار الجدل حول تدوينها ، ذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من شهد له خزيمة فحسبُه) رواه البخارى وأحمد والنسائى والترمذى وقال :حسن صحيح عن زيد بن ثابت قال :لما نسخنا المصحف فقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها لم أجدها مع أحد إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه الذى جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادة رجلين (من المؤمنين رجال ......) وكان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قد أعطى خزيمة بن ثابت وحده نصاب شهادة رجلين ... وهذه لها قصة ...أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إبتاع فرساً من أعرابي .. فاستتبعه النبى صلى الله عليه وسلم ليعطيه ثمن الفرس .. فأسرع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشي.. وأبطأ الأعرابي فطفق رجال (أي أخذ رجال ) يعترضون الأعرابي ليساوموه فى الفرس دون أن يعرفوا ان النبى صلى الله عليه وسلم قد ابتاعه .. فنادى الأعرابي رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال :إن كنت مبتاعاً هذا الفرس وإلا بعته .. أي هل تريد شراء الفرس أو أبيعه ؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم :أوليس ابتعته منك ؟ ....فقال الأعرابي ما بعته (أي ما بعته لك ) ..فقال النبى صلى الله عليه وسلم :بل قد ابتعته منك ...فقال الأعرابي هلم شهيداً ..أي ائتني بشاهد..فقال خزيمة بن ثابت أنا أشهد أنك بايعته (أي بعته له). وبعد أن انصرف الناس ..أقبل النبى صلى الله عليه وسلم على خزيمة... فقال: بم تشهد؟ .. (اي كيف شهدت على هذا ) .. ولم تكن موجوداً وقت المبايعة بيني وبين الأعرابي؟ .فقال خزيمة: بتصديقك يا رسول الله ..(أي هل نصدقك فى كل ما تأتينا به من خبر السماء ونكذبك فى هذه؟..فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة بشهادة رجلين .. فأخذت شهادته بشهادة رجلين وتم تدوين الآية .. وكان خزيمة يدعى ذو الشهادتين .. لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز شهادته بشهادتين . من سير أعلام النبلاء . الجزء الثانى . ص 486 وإسناده صحيح إذا أردنا ان نعرف القرآن ..فإنه لا بد أن يخرج عن مقاييس البشر ..فالناس حين يعرفون الأشياء يقولون : حده كذا ..ورسمه كذا ..إلى اخره ..ولكن كى نعرف القرآن الكريم نقول أن القرآن هو ابتداء من قوله تعالى : بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ(1) الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(2) فاتحة الكتاب إلى أن نصل إلى قوله قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ(1) مَلِكِ النَّاسِ(2) إِلَهِ النَّاسِ(3) مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ(4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ(5) مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ(6) سورة الناس أي أنه من أول سورة الفاتحة ..إلى آخر سورة الناس .. على أن نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ..قبل أن نقرأ أية آية من القرآن الكريم ..كما علمنا الحق سبحانه وتعالى فى قوله : فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ(98) سورة النحل لكن العلماء أرادوا التخفيف على الناس فى تعريف القرآن الكريم ..فقالوا هو كلام الله .. نزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بقصد التحدي والإعجاز ليبين للناس منهج الله . والقرآن يتفق مع المناهج التى سبقته ، ولكنه يضيف عليها ويصحح ما حذف منها لأنه موحى به من الله ..فالتوراة والإنجيل والزبور من الله .. ولكنها تحمل المنهج فقط .. أما القرآن الكريم .. فهو المنهج والمعجزة الدالة على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم .. التوراة كانت منهج موسى وكانت معجزته العصى .. والإنجيل منهج عيسى ومعجزاته إبراء الأكمه والأبرص بإذن الله ..إذن بالنسبة للرسل السابقين ..كانت المعجزة شيئ والمنهج شيء آخر، ولكن القرآن تميز أنه المنهج والمعجزة معاً .. ذلك أن المناهج التى أرسلها الله على الرسل السابقين أنزلها على نية تغيرها.. ولكن القرآن الكريم ..نزل على نية الثبات إلى يوم القيامة . ولذلك كان لا بد أن يؤيد المنهج بالمعجزة حتى يستطيع أي واحد من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم أن يقول محمد رسول الله وتلك معجزاته ..ولكن معجزات الرسل السابقين حدثت وانتهت لأنها معجزات حسية ..من رآها آمن بها .. ومن لم يرها فهو غير مقصود بها .لأنها حدثت لتثبيت المؤمنين..الذين يتبعون الرسول .. فمعجزة عيسى عليه السلام لا يمكن أن تعود الآن من جديد..وعصى موسى التى شقت البحر لا يستطيع أتباع موسى أن يأتوا بها الآن ليقولوا هذه معجزته.. إذن فالرسل السابقون لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان لكل منهم منهج ومعجزة ولكن كليهما منفصل عن الأخر ..فالمنهج عين المعجزة حالة مفقودة فى الرسالات كلها .. ولكنها فى رسالة محمد صلى الله عليه وسلم أمر موجود يمكن أن يشار اليه فى أي وقت من الأوقات ..
*** يتبع بحول الله ***
الشيخ الطبيب الإدارة
برجك الروحانى : عدد الرسائل : 899 العمر : 41 من أى دولة : مصر السٌّمعَة : -1 نقاط : 1769 تاريخ التسجيل : 28/05/2007
موضوع: رد: خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى ( تفسير الشعراوى ) الأحد 20 فبراير - 15:13
ونظرة واحدة فيما قال الله سبحانه وتعالى فى كونيات الحياة التى أتيحت للعقل البشرى فى القرن العشرين .. نجد أن القرآن الكريم يشير إليها لأن العمر فى الرسالة القرآنية إلى قيام الساعة .. ومادام إلى أن تقوم الساعة .. يظل القرآن معجزة حتى قيام الساعة ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(53) سورة فصلت أي أن القرآن له عطاءان فى الإعجاز .. العطاء الأول آيات فى الآفاق ، وهذه هى الآيات الكونية..والعطاء الثانى "آيات فى انفسهم" وهذه هى الآيات التى تتعلق باسرار الجسد البشري..وقول الحق " حتى يتبين لهم انه الحق" أي أن القرآن هو الحق ولذلك يمكن أن تقول ان آيات الكون ستأتي موافقة لآيات القرآن الكريم ..أي أن الله سبحانه وتعالى وضع فى القرآن الكريم من آيات الكون واسراره وعن الجسد البشرى وتكوينه آيات يمكن أن يعطيها المؤمنين وغير المؤمنين.. ولقد أعطى الله تبارك وتعالى من آيات الكون المؤمنين .. فبرع المسلمون الأوائل فى العلوم .. مثل جابر بن حيان الذى وضع أساس علم الكيمياء ..وابن سيناء الذى وضع أساس علم الطب والفلك والرياضيات..وابن النفيس الذى اكتشف الدورة الدموية ووصفها وصفاً علمياً دقيقاً ..وابن الهيثم الذى برع فى الرياضيات والطبيعيات والطب وكان أول من شرح تركيب العين وكيف تعمل وأبو القاسم الذى نبغ فى العمليات الجراحية وغيرها. ثم أعطى الله سبحانه وتعالى من آيات الكون غير المؤمنين بما تشهده الآن من نهضة علمية فى دول الغرب ..وذلك يفسر قوله تبارك وتعالى : " حتى يتبن لهم أنه الحق" أي أن آيات الكون .. ستجعل المنكرين للقرآن الكريم يعترفون أنه الحق .. ذلك أن المؤمن يعرف أن القرآن هو الحق .. ولكن المنكر للإسلام يكشف الله له آية فى أمر معجز .. يبين له أن هذا الدين حق . ولقد حدث أخيراً فى مؤتمرات الإعجاز العلمى للقرآن الكريم أن أعلن عدد من العلماء إعتناقهم للدين الإسلامى. وإذا أردنا أن نعرف شيئاً عن معجزة القرآن فانظر ماذا قال عن الكون وكروية الأرض ودورانها حول نفسها .. وما يحدث فى أعماق البحار وغير ذلك مما لا يكتشف إلا فى القرن العشرين ..وإذا أردنا أن نعرف الإعجاز فى القرآن فى قوله "وفى انفسهم" فلننظر إلى مراحل تكوين داعىين ومراكز الأعصاب فى الجسد البشرى وتكوين الأذن والعين وغير ذلك من إعجاز لا يمكن أن يتحدث عنه بهذه الدقة الا خالقه .. وهذا ما شهدوا به علماء نبغوا فى علومهم بينما هم منكرون للإسلام وللقرآن! وهذه الحقائق العلمية التى أشار اليها القرآن لا يستطيع أحد أن ينكرها الآن لأنها أصبحت ثابتة الوجود. والقرآن حين يتحدى فإنه لا يمكن أن يأتى بمعجزة لا يعرف عنها الخلق شيئا فأنت لاتتحدى كسيحاً فى سرعة المشى .. ولا شيخاً كبيراً ضعيفاً فى حمل الأثقال .. ولكنك إذا تحديت فلا بد أن تتحدى مجموعة من الناس فيما نبغوا فيه ولذلك إذا قلنا أن القرآن جاء يتحدى العرب فى إعجاز الأسلوب واللغة ..فهذه شهادة للعرب أنهم نبغوا فى دنيا الكلمة..وهنا عندما يغلبهم القرآن ويعجزهم يكون هذا هو التحدي ..تحد فيما نبغوا فيه وتفوقوا فيه ..ولذلك كان لا بد أن يكون العرب عندهم نبوغ فطري فى الكلمة .. ويكون الأداء الجيد المميز للكلمة مألوفاً لديهم شعراً ونثراً وخطابة . وحين جاء القرآن الكريم يتحدى غير العرب .. تحداهم فى آيات الكون والخلق ولذلك نجد مثلا قول الحق سبحانه وتعالى عن أصحاب النار إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً(56) سورة النساء هذه الآية الكريمة عندما نزلت فهمت بأنه كلما احترقت الجلود تجددت ، وعندما توصل العلم الحديث إلى أن مراكز الأعصاب موجودة تحت الجلد بحيث أنه إذا احترق الجلد ضاع الإحساس بالألم ، كانت هذه معجزة جديدة للدنيا فى عصرنا .. يريد بعض الناس أن يتخذ العلم إلهاً من دون الله . وهكذا كان الإعجاز المتجدد الذى يجعل القرآن معجزة خالدة .. وهذا دليل جديد على أن القرآن من عند الله وأنه كلام الله . نأتى بعد ذلك إلى معجزة اخرى فى اختيار رسول الله عليه الصلاة والسلام وإعداده للرسالة .. أننا إذا تتبعنا حياة رسول الله صلى الله عليه نجد أن الله تبارك وتعالى اختاره أمياً لا يقرأ ولا يكتب ، ومع ذلك أجرى عليه معجزات كلها تنطق بصدق رسالته صلى الله عليه وسلم .. أولها أنه لم يشتهر عليه الصلاة والسلام أنه نبغ فى شعر أو نثر مثل قس بن ساعدة واكثم بن صيفي..ومن هنا كان حظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من البلاغة حظاً عادياً دون نبوغ ومع ذلك فقد جاءت رسالته عليه الصلاة والسلام تتحدى قومه فى البلاغة وفى اللغة . ولو أنه صلى الله عليه وسلم كان مشهوراً بالشعر أو النثر أو الخطابة لقالوا أن القرآن عبقرية ادائية لمواهب كانت موجودة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ الصغر .. ومواهب الناس عادة كانت تظهر قبل سن العشرين أو الثلاثين إذا كانت المواهب متأخرة، ولكنها لا تظهر فجأة على الإنسان فى سن الأربعين، ولا توجد عبقرية تتأخر أبداً حتى الأربعين .. ولكن الناس فوجئوا بأن محمداً عليه الصلاة والسلام الذى ما خطب ولا كتب وما قال شعراً يأتي بقرآن يعجز عنه أشهر البلغاء ..وأكثرهم موهبة فى فن الكلام .. من أين أتى بهذا الكلام المعجز الذى تحدى به الإنس وداعى وهو فى هذه السن ؟! بعض الناس يدعون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عنده الإعجاز اللغوى ..وأخفاه عن الناس حتى سن الأربعين وبعد ذلك أظهره .. نقول ان هذا الكلام لا يتفق مع العقل .. لأننا نعيش فى عالم أغيار يموت فيه الناس قبل سن العشرين وقبل سن الثلاثين وقبل سن الأربعين ..فمن الذى أخبر محمداً عليه الصلاة والسلام أنه لن يموت قبل سن الأربعين حتى يكتم هذه العبقرية إلى هذه السن ؟.. لقد مات أبوه وهو فى بطن امه .. وماتت أمه وهو طفل صغير .. هذه المقدمات لا يمكن أن توحي إلى محمد عليه الصلاة والسلام أن يكتم عبقريته عن الناس حتى يصل إلى هذه السن ، لأن أباه وأمه قد ماتا وهو طفل صغير . ولذلك عندما جاء الكفار وطلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغير القرآن كما يروي لنا القرآن الكريم فى قوله تعالى: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ(15) سورة يونس ولو أن القرآن من عند محمد عليه الصلاة والسلام ربما بدله حتى يؤمن من كفر ، ولكن الحق سبحانه وتعالى يعلم رسوله صلى الله عليه وسلم ليرد عليهم بالحجة البالغة: قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ(16) سورة يونس الله سبحانه وتعالى يعلم رسوله الكريم أن يرد على الكفار أنه عاش معهم أربعين سنة قبل الرسالة .. لم يشتهر بينهم بالخطابة والشعر أو البلاغة .. فلو أنهم فكروا بعقولهم لعرفوا أن هذا القرآن ليس من عند رسول الله ، بل من عند الله . ثم من الذى ينب اليه الكمال فيرفضه ؟.. ويقول ليس من عندى .. مع أن الناس تدّعي كمالات الغير..فكم من إنسان رأى اعجاب الناس بعمل من الأعمال .. لم يعرف صاحبه فنسبه إلى نفسه .. بل إن الناس تتصارع على نسب الأشياء الجيدة لنفسها .. وكم رأينا نزاعاً أمام القضاء بين أشخاص مختلفين كل منهم يدعى ملكيته لعمل جيد. ثم تأتى لفتة اخرى: رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى لم يقرأ ولم يكتب ..هل يمكن أن تكون له ثلاثة اساليب متميزة تختلف بعضاً عن بعض تماماً .. وهى أسلوب القرآن الكريم وأسلوب الأحاديث القدسية وأسلوب الأحاديث النبوية.. لا توجد عبقرية فى الدنيا من يوم أن خلقت إلى يومنا هذا لها ثلاثة أساليب لكل منها طابع مميز لا يتشابه مع الأخر...كيف يمكن أن يفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتكلم بين القرآن الكريم والحديث القدسى والحديث النبوي .. بحيث يعطى كلا منها طابعاً وأسلوباً يميزه عن الأخر.. إن لكل شخص اسلوبه الذى يتميز به .. وأنت إذا كنت مطلعاً فى علوم اللغة والأدب .. فبمجرد أن تقرأ الكلام تقول هذا كلام فلان ، لأن لكل شخص منا أسلوباً يميزه .. فكيف استطاع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسم كلامه .. فيقول هذا قرآن وهذا حديث قدسى وهذا حديث نبوي؟؟؟ إذن فاختلاف القرآن الكريم والأحاديث القدسية والأحاديث النبوية .. أكبر دليل على أن القرآن والأحاديث القدسية ليست من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ..لأن الشخصية الأسلوبية لأى انسان هى شخصية مميزة .. ولا يمكن أن ينفعل احد باحداث الحياة .. فيكتب كل مرة باسلوب مختلف تماماً عن الأسلوب الآخر .. أو يكتب اليوم بأسلوب وغداً بأسلوب وبعد غد بأسلوب .. ثم يعود بعد ذلك إلى الأسلوب الأول .. أنه إذا قرأ احدهم القرآن نقول هذا قرآن ، وإن تلا أحدهم حديثاً قدسياً نقول هذا حديث قدسي .. وإذا قال أحدهم حديثاً نبوياً قلنا حديث نبوي .. ولكل إنسان منا شخصية أسلوبية واحدة .. أذا حاول أن يخرج منها فإنها تغلبه .. والفروق الهائلة فى الأساليب بين القرآن والأحاديث القدسية والنبوية أكبر دليل على صدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم . واحتار الكفار ماذا يفعلون .. ولم يجدوا ثغرة من منطق ينفذون منها .. فماذا قالوا؟ .. قالوا ساحر!! وكان الرد ببساطة أن المسحور ليست له إرادة مع الساحر .. بحيث يستطيع دفع السحر عن نفسه ، وأن الساحر يسحر من امامه رغماً عن إرادتهم...فإذا كان محمد صلى الله عليه وسلم ساحراً فلماذا لم يسحركم أنتم حتى تؤمنوا به .. وبأي شيء رددتم السحر عن أنفسكم ؟؟ إن ادعاءكم هذا يكذب حجتكم لأن كونكم الآن جالسين تقولون ساحر فمعنى ذلك أنه لم يسحركم .. ولو كان ساحراً حقيقياً لأجبركم بسحره على أن تتبعوه . وقالوا مجنون .. نقول لهم داعىون عمل بغير رتابة .. بمعنى أنك لا تستطيع أن تتنبأ بما يفعله المجنون فى اللحظة القادمة فقد يجلس يتحدث معك وبعد دقيقة واحدة يضربك .. وتجده يبكى وبعد ثوان قليلة يضحك .. ورد تبارك وتعالى عليهم : ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ(1) مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ(2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ(3) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ(4) سورة القلم والشهادة من الله بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم على خلق عظيم .. لا يتصادم مع ما يعرفه الكفار عنه قبل الرسالة .. فهو بشهادتهم كان معروفاً بالصدق والأمانة والخلق الحسن وكانوا يلقبونه بالأمين .. وكانوا يأمنونه على أموالهم وكل شىء له قيمة .. ولتعرف كيف يتناقض الكفار مع أنفسهم نقول لهم كيف تأتمنون انساناً مجنوناً على أغلى ما تمتلكون؟ .. هل هذا يتمشى مع العقل .. أيذهب الإنسن بأغلى ما عنده ويضعه عند رجل مجنون ؟..طبعاً مستحيل لا يمكن أن يكون المجنون على خلق عظيم . وقالوا شاعر وكاهن.. فرد القرآن الكريم بقوله تبارك وتعالى: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ(40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ(41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ(42) سورة الحاقة وقولهم شاعر مردود عليهم .. بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل شعراً فى حياته .. والمواهب لا تأتى فجأة بل لا بد أن تصقلها التجربة والخطأ .. تماماً كالذي يقود السيارة .. عندما يبدأ لا بد أن يكون معه إنسان يعرف قيادة السيارة .. ويعلمه فيخطيء ويصيب .. ثم بعد ذلك يقود السيارة .. ورسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانت عنده ملكة الشعر ولا دربه أحد عليه .. اما قولهم كاهن فالإنسان ينسى بمرور الوقت ، لذلك قيل إذا كنت كذوباً فكن ذكوراً. وإذا أردنا أن نعرف الحقيقة فإننا نسأل الإنسان على فترات .. فإن كان كاذباً فإنه يتخبط فى اقواله .. ورسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب .. كان ينزل عليه الوحي بالآيات فيتلوها على اصحابه .. ثم يؤذن للصلاة بعد ذلك بساعات .. فيتلو رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الصلاة.. الآيات التى نزلت عليه دون أن يتغير منها حرف واحد .. ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى : "قليلا ما تذكرون " .. لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان يأتي بالقرآن من عنده لنسي ولغير وبدل .. لأن الذاكرة لا يمكن أن تستوعب بنفس الألفاظ ما قالته. ولو أنك جئت بانسان وطلبت منه أن يتحدث فى موضوع معين وسجلته له .. ثم طلبت منه ان يعيد بعد نصف ساعة ما قاله .. لا يمكن أن يأتي بنفس الكلام أو بنفس الألفاظ أو بنفس الترتيب. والحق سبحانه وتعالى يعطى رسله منهجه بالوحي .. ويكون عطاؤه غيبياً لأن الله غيب .. فالله سبحانه وتعالى يقول : وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ(51) سورة الشورى وذلك لأن التكوين البشري لا يمكن أن يستقبل من الله مباشرة .. والوحي إعلام بخفاء ، ولكى نقرب المعنى من الأذهان .. نقول أنك لو كنت لا تريد أن تقابل ضيفاً ثقيلاً فإنك تتفق مع خادمك على إشارة معينة .. فإذا جاء وأخبرك أمام الحاضرين بأن فلان وصل .. تعطيه إشارة فلا يدخل إلى المنزل .. هذه الإشارة المتفق عليها .. لا يفهمها أحد من الحاضرين ولا يعرف معناها .. هذا هو معنى الوحي إعلام بخفاء .. لا يفهمه إحد إلا الموحِي ومن يوحَى إليه .. والوحي ما دام إعلاماً بخفاء فإنه يقتضى موجهاً .. وموحَى إليه وموحَى به ..
*** يتبع بحول الله ***
الشيخ الطبيب الإدارة
برجك الروحانى : عدد الرسائل : 899 العمر : 41 من أى دولة : مصر السٌّمعَة : -1 نقاط : 1769 تاريخ التسجيل : 28/05/2007
موضوع: رد: خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى ( تفسير الشعراوى ) الأحد 20 فبراير - 15:15
هذا هو معنى الوحي إعلام بخفاء .. لا يفهمه إحد إلا الموحِي ومن يوحَى إليه .. والوحي ما دام إعلاماً بخفاء فإنه يقتضى موجهاً .. وموحَى إليه وموحَى به ..
ولقد أوحى الله للرسل وأوحى إلى غير الرسل .. فأوحى للملائكة وإلى أم موسى وإلى الحواريين وللنحل وللأرض .. وهناك وحي من الشيطان لأوليائه هذا هو الوحي اللغوي .. أما الوحي الشرعي فيكون وحياً من الله لرسله .وكان وحي الله لموسى عليه السلام أن كلمه من وراء حجاب .. وكان وحي الحق جل جلاله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. بأن ارسل له جبريل عليه السلام .. ويجىء الملك بالوحي فيسمع رسول الله عليه الصلاة والسلام صلصلة الجرس تنبيهاً .. ويتم اللقاء بين جبريل والرسول فتتغير كيماويات جسد الرسول .. حتى أنه حينما جاءه الوحي لامست ركبته الشريفة ركبة صحابي كان يجلس بجواره فأحس كأنها جبل .. وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم راكباً الناقة .. فتنام او تبرك الناقة على الأرض ولا تستطيع السير .. وكانت لفتة اخرى من الله تبارك وتعالى .. إنه لا تناقض مطلقاً بين القرآن وبين العلم ..فإذا جاءت نظرية علمية تناقض القرآن الكريم .. فالقرآن على حق والنظرية على باطل .. وهناك نظريات أخفاها الله سبحانه وتعالى عنا .. ولكن إخفاءه لها لا يضرنا بشيء فالشمس ينتفع بها كل الناس ولا يعلم حقيقتها أحد .. وكذلك الظواهر الكونية الأخرى .. فكل ما أخفاه الله عنا هو جهل لا يضر ولا يقلل انتفاعنا بالكون.
والقرآن كلام الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .. ولقد حمل منهج الله للبشر ليحمي حركة الإنسان الإختيارية فى الكون .. وما دام الإنسان يلتزم حياته بالقرآن الكريم فإنه يستمتع بالجمال فى الكون .. أما إذا خالفه فيكون الإنسان قد سعى إلى شقائه . ولقد ظهرت الداءات والأمراض فى المجتمعات عندما خالف الإنسان منهج السماء ولذلك قال الحق سبحانه وتعالى :
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً(82) سورة الإسراء لماذا قدم الله سبحانه وتعالى الشفاء على الرحمة .. لأن الرحمة تقي الناس من أي شر قادم ولكن لا بد من الشفاء أولاً .. وعندما نزل القرآن كانت الأمراض والداءات تملأ المجتمعات .. الظلم وأكل حقوق الناس واستعباد الإنسان للإنسان وغير ذلك من أمراض المجتمع .. فجاء الأسلام أولاً ليشفي هذه الأمراض إذا اتبع منهجه .. ثم بعد ذلك تأتي الرحمة وتمنع عودة هذه الداءات . فإذا حدثت غفلة عن منهج الله .. جاءت الداءات والأمراض .. فإذا عدت إلى صيدلية القرآن تأخذ منها الدواء يتم الشفاء . *** يتبع بحول الله ***
الشيخ الطبيب الإدارة
برجك الروحانى : عدد الرسائل : 899 العمر : 41 من أى دولة : مصر السٌّمعَة : -1 نقاط : 1769 تاريخ التسجيل : 28/05/2007
موضوع: رد: خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى ( تفسير الشعراوى ) الأحد 20 فبراير - 15:16
"أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"
طلب الله سبحانه وتعالى من كل مؤمن ان يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم .. قبل ان يقرأ القرآن .. إذن فالإستعاذة هى أول التقاء.. بين المؤمن وبين بداية قراءته للقرآن الكريم والله سبحانه وتعالى يقول : فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ(98) سورة النحل وواضح أن الآية الكريمة .. تطلب منا الإستعاذة بالله من الشيطان قبل أن نقرأ القرآن .. ذلك أن كل مخلوق إذا اتجه إلى خالقه واستعاذ به يكون هو الأقوى برغم ضعفه وهو الغالب برغم عدم قدرته .. لأن الله عندما يكون معك . تكون قدرتك وقوتك فوق كل قدرة وأعلى من كل قوة .. لأنك جعلت الله سبحانه وتعالى فى جانبك . ونحن حين نقرأ القرآن لا بد أن نصفّي جهاز استقبالنا لحسن استقبال كلام الله .وفى هذه الحالة لا نفعل ذلك بقدراتنا نحن ولا بقوتنا .. ولكن بالإستعانة بقوة وقدرة الله .. لماذا ؟ لأن معوقات المنهج عند الإنسان المؤمن إنما هى من عمل الشيطان. وإبليس يأتى دائماً من الباب الذى يرى فيه المنهج ضعيفاً .. فإذا وجد إنساناً متشدداً فى ناحية يأتي له من ناحية اخرى . فلو أن العبد المؤمن متشدد فى الصلاة .. يحافظ عليها ويؤديها فى اوقاتها ، جاءه إبليس من ناحية المال . يوسوس له بألا يخرج الزكاة لأنها ستؤدي به إلى الفقر .. ويوسوس له أن يأكل حقوق الناس ..مدخلاً السرور إلى نفسه بالوهم بأنه سيصبح غنياً آمناً مطمئناً على غده .. وهذا كذب والحقيقة هى التى رواها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (ما نقص مال من صدقة ) رواه أحمد ومسلم والترمذى عن أبي هريرة وتتمه الحديث "وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً وما تواضع أحد لله الا رفعه" والصدقة هى التى تكثر المال وتضع فيه البركة فيزداد وينمو .. والمال هو مال الله ينتقل من يد إلى يد فى الدنيا .. ثم يموت الإنسان ويتركه..ولكن ابليس يستغل غفلة الناس عن هذه الحقيقة ليدفعهم إلى المال الحرام .. فإذا كان الإنسان متشدداً من ناحية المال .. جاءه من ناحية المرأة فيظل يزين له امرأة خليعة .. يوسوس له حتى يسقط فى الزنا .. وإن كان قوياً فى هذه النواحى كلها .. زين له إبليس الخمر او مجلس السوء او النميمة ..المهم أن إبليس يظل يدور حول نقط الضعف فى الإنسان ليسقطه فى المعصية . ولذلك فإن الإستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ، إنما تجعل الله سبحانه وتعالى يقوي نقط الضعف فيك . فلا يستطيع الشيطان أن ينفذ اليك وأنت تقرأ القرآن ليضع فى رأسك هواجس تلهيك عن هذه القرآءة .. ذلك عطاء الله فى القرآن يساوي بين جميع الخلق .. فعطاء القرآن متساو ولكن كل إنسان يأخذ قدر ايمانه .. فالقرآن يقرأ والناس تسمع ولكن هل يتقبل الجميع القرآن تقبلاً متساوياً ؟ نقول لا ..فقد قال الله سبحانه وتعالى ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم(16) سورة محمد أي أن القرآن لم يؤثر فيهم .. ولكنه أثر فى المؤمنين الذين استمعوا إليه مصداقاً لقوله جل جلاله : وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِياًّ لَّقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ(44) سورة فصلت فالقرآن عطاؤه للجميع ولكن المهم من يستقبله .. وكيف يستقبله عندما يتلى عليه .. والله سبحانه وتعالى يريدنا عندما نقرأ القرآن .. أن نبعد الشيطان عن أنفسنا قبل أن يبعدنا هو عن منهج الله وعن آياته .. وبما أننا لا نرى الشيطان وهو يرانا .. ولا نعرف أين هو بينما هو يعرف أين نحن .. مصداقاً لقوله تبارك وتعالى : يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ(27) سورة الأعراف فلا بد أن تستعيذ بقوة تستطيع ان تقهر الشيطان وتدمره .الله سبحانه وتعالى طلب منا أن نستعيذ به وأن نلجأ إليه لأنه هو القادر على أن يحمينا .. ويصفي قلوبنا ونفوسنا من همزات الشياطين فيحسن استقبالنا للقرآن الكريم .. لأنه إذا صفيت نفسك لأستقبال القرآن .. فإن آياته الكريمة تمس قلبك ونفسك وتكون لك هدى ونور والشيطان قد قضى الله سبحانه وتعالى فى أمره فطرده من رحمته رجيماً مبعداً .. والشيطان يعرف أن مصيره النار ويعتقد أن آدم هو السبب .. لأن بداية المعصية كانت رفض إبليس طاعة أمر الله فى السجود لآدم .. وقال كما يروي لنا القرآن الكريم . قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ(12) سورة الأعراف وكانت معصية إبليس فى القمة .. لأنه رد الأمر على الآمر .. وقال لن أطيع ولن أسجد لآدم لأنني خير منه .. هو من طين وأنا من نار .. فكأنه لم يرض بحكم الله سبحانه وتعالى وأراد ان يعدله . وهذه معصية فى القمة.. جعلت الله تبارك وتعالى يطرد إبليس من رحمته .. ويصفه بأنه رجيم .. وذلك حتى نعرف أن مصيره النار وأن الله لن يغفر له . وبدأ إبليس بغواية آدم عليه السلام .. فآدم عاش فى جنة تعطيه مقومات حياته بلا تعب وبلا عمل .. وكان فى داعىة ألوف الأشجار تعطى كل الثمرات وهى حلال لآدم وحواء يأكلان منها ما يشاءان .. ما عدا شجرة واحدة حرمها الله عليهما ..وكانت هذه الشجرة هى بداية الخطيئة ..بدأ إبليس يغري آدم وحواء على المعصية .. كيف ؟ .. حاول إقناعهما بأن عدم الأكل من هذه الشجرة .. سيحرمهما من خير كبير .. واقرأ قول القرآن الكريم: فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ(20) سورة الأعراف وفى إغواء أخر: "فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى(120) سورة طه وهكذا نعرف أن إبليس يأتي للإنسان من أكثر من زاوية .. لذلك كانت الزاوية الأولى هي أن هذه الشجرة من يأكل منها يكون ملكاً أو يكون خالداً .. وكان الإغواء الثاني أن هذه الشجرة تعطى لمن يأكل منها بجانب الخلود ملكاً لا ينتهي . إذن فإبليس يصور للإنسان .. أن ما منعه الله عنه هو الخير .. وأنه لو عصى فسيحصل على المال والنفوذ .. لقد أكل آدم وحواء من الشجرة . فلم يخلدا ولم يأت لهما مُللك لا ينتهي . بل ظهرت عوراتهما وعرفا أن ابليس كان كاذباً .. وأن الله سبحانه وتعالى بمنهجه وما ينهانا عنه إنما كان يريد لهما الخير . ولكن الشيطان يأتي ويزين للانسان طريق الباطل .. ولو أن آدم كان قد حكّم عقله لعرف كذب وسوسة ابليس.. فإبليس كما يدعي كان يدل آدم على شجرة الخلد .. ولو أن هذه الشجرة كانت تعطي الخلد فعلاً .. لما طلب إبليس من الله تبارك وتعالى أن يبقي على حياته إلى يوم القيامة .. بل لأكل من الشجرة ونال الخلد. ولكن إبليس دخل من ناحية الغفلة فى النفس البشرية ليوقع آدم فى المعصية .. وهو يدخل إلى أبناء آدم من ناحية الغفلة أيضاً. ولو أن ابناء آدم حكموا عقولهم وهم يعرفون أن هناك عداوة مسبقة بين آدم وابليس .. وأن إبليس طلب من الله سبحانه وتعالى أن يبقيه إلى يوم القيامة لينتقم من آدم وأولاده بإغوائهم على المعصية .. لو تنبهنا إلى ذلك لأخذنا حذرنا .. وعندما تنكشف وسوسة الشيطان فإنه يهرب إبليس دخل إلى ناحية الغواية بأن أقسم بعزة الله .. وأن الله عزيز لا يحتاج لخلقه ولا يضره سبحانه وتعالى من كفر ولا يزيد شيئاً فى ملكه من آمن .. إستغل عزة الله فى استغنائه عن خلقه فقال كما يروي لنا القرآن الكريم قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(82) سوءة ص ولكن الحق تبارك وتعالى أخبرنا أنه طرد ابليس من رحمته وسماه رجيماً حتى نعرف جميعاً أنه لن يدخل فى رحمة الله ابداً. إبليس دخل إلى غواية بني آدم بعزة الله سبحانه وتعالى عن خلقه .. فلو أن الله أراد خلقه جميعاً مهديين .. ما استطاع إبليس أن يتقدم ناحية واحد منهم .. واقرأ قوله سبحانه .. إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين(4) سورة الشعراء إذن الله سبحانه وتعالى .. هو الذى أعطى للإنسان حق الإختيار ولو شاء لجعله مقهوراً على الطاعة كباقي الخلق .. من نقطة الإختيار هذه وقوله تبارك وتعالى : وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً(29) سورة الكهف إذن فالله سبحانه وتعالى بين لنا طريق الهداية وطريق المعصية .. ثم ترك لنا أن نختار طاعة الله ورحمته .. أو معصية الله وعذابه .. ولم يعطنا الحق تبارك وتعالى هذا الإختيار إلا فترة محدودة هى حياتنا فى الدنيا .. فعندما يحتضر الإنسان تخمد بشريته .. ويصبح لا اختيار له. كما أن الله جل جلاله لم يعطنا الإختيار فى كل أحداث الدنيا .. بل اعطاه لنا فى المنهج فقط فى الطاعة أو المعصية. ولكي نتقي الشيطان فى حياتنا شرح لنا القرآن الكريم كيف سيغوي إبليس بني آدم .. واقرأ القرآن الكريم : قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ(16) سورة الأعراف أي أن إبليس لا يجتهد فى إغواء من باع نفسه للمعصية .. وانطلق يخالف كل ما أمر به الله .. فالنفس الأمارة بالسوء لها شيطانها.. وهى ليست محتاجة إلى إغواء لأنها تأمر صاحبها بالسوء .. ولذلك فإن إبليس لا يذهب إلى الخمارات وبيوت الدعارة ويبذل جهداً فى إغواء من يجلسون فيها ..لأن كل من ذهب إلى هذه الأماكن ..هو من شياطين الإنس.. ولكن إبليس يذهب إلى مهابط الطاعة وأماكن العبادة .. هؤلاء يبذل معهم كل جهده وكل حيلة ليصرفهم عن عبادة الله، ولذلك لا بد أن ننتبه إلى أن إبليس لم يقل لهم على الطريق المعوج..فالطريق المعوج بطبيعته يتبع الشيطان ..فإبليس يريد أهل الطاعة .. ويزين لهم المعصية ويغريهم بالمال الحرام القرآن الكريم يقول ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ(17) سورة الأعراف هذه هى جهات الغواية التى يأتى منها إبليس .. من بين أيديهم أي من أمامهم وهذه هى الجهة الأولى ومن خلفهم أي من ورائهم وهذه هى الجهة الثانية ..وعن أيمانهم أي من اليمين وهذه هى الجهة الثالثة .. وعن شمائلهم أي من الشمال وهذه هى الجهة الرابعة.. وكلنا نعلم أن الجهات ست وليست اربعاً .. فما هما الجهتان اللتان لا يأتي منهما الشيطان؟ .. هما فوق وتحت .. هرب إبليس من هاتين الجهتين بالذات .. ولم يقل سآتي لهم من فوقهم أو من تحتهم ، لأنه يعلم أن الجهة العليا تمثل الفوقية الإلهية .. وأن الجهة السفلى تمثل العبودية البشرية حينما يسجد الإنسان لله .. ولذلك ابتعد إبليس عن هاتين الجهتين تماماً. ومن العجب أنك إذا نظرت إلى أبواق الإلحاد فى كل عصر .. تجدها تأتى من الجهات التى يأتي منها الشيطان .. يقولون: تقدمي جهة الأمام ..ورجعي جهة الخلف ويميني جهة اليمين ويساري جهة اليسار .. نقول لهم نحن لسنا في أية جهة من هذه الجهات. لا تقدميين ندعو إلى التحلل والفجور .. ولا رجعيين نقول هذا ما وجدنا عليه آباءنا . ولا يساريين ننكر الدين ونناصر الكفر .. ولا يمينيين نؤمن بالرأسمالية واستغلال الإنسان .. ولكننا أمة محمدية فوقية كل أمورنا من الله وما دامت أمورنا من الله سبحانه وتعالى فنحن لا نخضع لمساوٍ لنا ولكننا نخضع لله العلى القدير وما دمت تخضع لأعلى منك فلا ذلة أبداً بل عزة ورفعه مصداقا لقوله تبارك وتعالى يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ(8) سورة المنافقون ونحن أمة محمدية فوقية .. نعلن عبوديتنا وخضوعنا لله .. ونتبع منهج السماء .. ولذلك فقد تميزنا عن البشر جميعاً لأن كل إنسان فى الدنيا لا يخضع لله سبحانه وتعالى ولا يأخذ منهجه عنه فهو خاضع لمنهج بشرى وضعه مساوٍ له من البشر .. والنفس البشرية لها هوى تريد أن تحققه . لذلك فهى تضع المنهج الذى يمكنها من أن تتميز به على الناس .. المنهج الذى تستفيد منه هى وحدها.. وقد يكون المنهج من وضع مجموعة أفراد أو طبقة .. نقول أن مناهجهم لفائدتهم .. ولكن الله سبحانه وتعالى يضع منهجه ليعطيك خيراً .. لا ليأخذ منك الخير لأنه جل جلاله مصدر الخير كله وهو ليس محتاجاً لما تملك ولا ما يملك البشر. اذن العدل والخير والعزة هى منهج السماء فالله لا يأخذ منك ولكن يعطيك ولا يذلك ولكن يعزك. على أن هناك لفتة .. لا بد أن ننتبه إليها . ...
**** يتبع بحول الله ****
الشيخ الطبيب الإدارة
برجك الروحانى : عدد الرسائل : 899 العمر : 41 من أى دولة : مصر السٌّمعَة : -1 نقاط : 1769 تاريخ التسجيل : 28/05/2007
موضوع: رد: خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى ( تفسير الشعراوى ) الأحد 20 فبراير - 15:17
على أن هناك لفتة .. لا بد أن ننتبه إليها فهذه الفوقية هى التى جعلت الله سبحانه وتعالى يختار أمة أمية .. ليجعل فيها آخر صلة للسماء بالأرض ويختار من هذه الأمة رسولاً أمياً .. أي كما ولدته أمه لم يأخذ ثقافة من مساوية..لم يتثقف على الشرق أو على الغرب ولم يقرأ لفلان فيتأثر به .. أو لفيلسوف فيتبعه ولكن الذى علمه هو الله جل جلاله إذن فالأمية شرف لرسول الله صلى الله عليه وسلم ..لكنها تؤكد أن كل ما جاء به هو من الله سبحانه وتعالى ولذلك فكل ما يأتي به معجزة لأنه وحي السماء ..فلو أن القرآن نزل على أمة متحضرة كالفرس او الروم .. أو على نبس غير أمس ..قد قرأ كتب الفلاسفة والعلماء من الشرق والغرب .. لقيل ان "القرآن إلتقاء حضارات وهبات عقل وإصلاحات ليقود الناس حركة حياتهم" ولكن لا. هى أمة أمية – رسول أمي.. تأكيداً لصلتها بالسماء .. وأن ما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام لا دخل لبشر ولا ثقافة ولا حضارة به. وهو ليس من معطيات عقول البشر.. ولكنه من الحق تبارك وتعالى ..ليصبح محمد صلى الله عليه وسلم وهو الرسول الأمي معلماً للبشرية كلها . وهكذا نعرف أن الشيطان لا يستطيع أن يقترب من مكان صعود الصلاة وصالح الأعمال إلى السماء ومن مكان الخضوع والعبودية لله سبحانه وتعالى
وقد أصر الشيطان على غواية الإنسان .. حتى لا يكون هو العاصي الوحيد. فما دام عصى وطرد من رحمة الله لماذا يكون هو العاصي الوحيد؟.. لماذا لا يكون الكل عاصياً؟.. وإذا كانت معصية الشيطان بسبب عدم السجود لآدم .. فلماذا لا يأخذ أولاد آدم معه إلى النار؟ انتقاماً منهم ومن أبيهم. بعض الناس يقول ..إبليس عصى وآدم عصى والله سبحانه وتعالى طرد إبليس من رحمته وغفر لآدم .. نقول أن هناك فرق بين معصية ومعصية. معصية إبليس كانت معصية فى القمة .. ترد الأمر على الآمر .تقول لا ..لن اسجد ولن اطيع لأنني من نار وهو من طين .. فكأنه رد الأمر على الآمر.. أما آدم فقال : يا رب أمرك الحق .. وقولك الحق ومنهجك الحق .. ولكني ضعيف لم أستطع أن أحمل نفسي على الطاعة .. فسامح ضعفي يا رب، ولذلك شرع له الله سبحانه وتعالى التوبة . وعلمه كلمات ليتوب عليه .
إذن فهناك فرق بين معصيتين .معصية تقول لن أطيع لأنني خير منه .. ومعصية يعترف فيها العبد بالخطأ والضعف ويتجه إلى الله طالباً التوبة والغفران. وبرغم أن الله سبحانه وتعالى قد أبلغنا فى القرآن الكريم أن الشيطان عدو لنا .. فى قوله إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ(6) سورة فاطر فإن الإنسان لا يحتاط.. ولذلك فى كل مرة نقرأ فيها القرآن .. يريد الله سبحانه وتعالى .. أن نستعيذ به من الشيطان الرجيم .. حتى إذا كان الشيطان قد مسنا او غلبنا فى حدث من أحداث الحياة ..فإن الله سبحانه وتعالى يبعده عنا ونحن نقرأ القرآن ..حتى تصفوا قلوبنا ونكون قد أبعدنا الشيطان .. وما حاول أن يوسوسه لنا ليبعدنا عن المنهج .
عندما نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم .. فهناك مستعاذ به وهو الله تبارك وتعالى من الشيطان .. والشيطان من خلق الله وأنت من خلق الله . فمن الممكن أن ينفرد خلق الله بخلق الله، ويكون القوي بقوته . أما إذا إلتحم أحدهما بخالقه فالثاني لا يقدر عليه. وأنت إذا تركت نفسك للشيطان .. إنفرد بك. ولذلك تستعيذ بالله الذى خلقك وخلق الشيطان .. فيعينك عليه .. ولذلك حين تجد قوماً مؤمنين وقوماً كافرين ..إن ظل المؤمنون موصولين بربهم لا يهزمهم الكفار ابداً .. فإذا بعدوا عن منهج الله .. يهزمهم الكفار.. لأنه فى هذه الحالة يكون القتال بين فئتين ابتعدتا عن الله .. إذن فعندما ينفرد خلق بخلق .. فالقوي هو الذى يغلب . أما إذا احتمى خلق بخالقهم فلا يقدر عليهم أحد. البشر يقدر على البشر إذا بعدت الفئتان عن الله .. فإن كانت الفئتان معتصمتين بالله .. فلن يتقاتلا.
والحق تبارك وتعالى .. يريدك حين تقرأ القرآن أن تصفى جهاز استقبالك تصفية تضمن حسن استقبالك للقرآن .. بأن تبعد عنك نزغ الشيطان .. حينئذ تستقبل القرآن بصفاء .. وتأخذ منه كل عطاء فإذا استعذت بالله من الشيطان الرجيم تكون فى جانب الله فلا يأتيك الشيطان ابداً .. ولذلك سيأتي الشيطان يوم القيامة ليقول لمن اغواهم كما يروي لنا القرآن الكريم : وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(22) سورة ابراهيم إذن فالشيطان ليس له سلطان على الإنسان أن يقهره على فعل لا يريده ..أي ليس له سلطان القهر وليس له سلطان على أن يقنع الإنسان بالمعصية .. وهذا إسمه سلطان الحجة .. فالسلطان نوعان .. قهر لمن يريد الفعل وإقناع يجعلك تقبل الفعل وأنت راض .. الشيطان ليس له سلطان القهر على عمل لا تريده وليس له سلطان الحجة .. ليقنعنا بأن نفعل ما لا نريد ان نفعله .. ولكن المسألة أن وسوسة الشيطان .. وجدت هوى فى نفوسنا فتبعناه.
والله سبحانه وتعالى يريد أن يمنع عنا هذه الوسوسة .. ونحن نقرأ القرآن الكريم .. ولكن الحق سبحانه وتعالى هو الذى خلق الشيطان .. وهو الذى أعطاه القدرة على أن يوسوس للانسان .. لماذا؟.. لأنه لو أن الطاعة وجدت بدون مقاوم لا تظهر حرارة الايمان .. ولا قوة الإقبال على التكليف .. وإنما عندما يوجد إغراء والحاح فى الإغراء .. وأنت متمسك بالطاعة فذلك دليل على قوة الإيمان ..تماماً كما أنك لا تعرف قوة أمانة موظف إلا إذا أغريته برشوة فلو أنه لو لم يتعرض لهذا الإغراء .. فلن تختبر أمانته ابداً ولكن إذا تعرض للأغراء .. وتمسك بأمانته ونزاهته فهذه هى الأمانة...
والله سبحانه وتعالى أعطانا الإختيار لأنه يريد من خلقه من يطيعه وهو قادر على معصيته .. ويؤمن به وهو قادر على عدم الايمان .. لأن هذه تثبت صفة المحبوبية لله . الخلق المقهور لله يأتي له قهراً .. لا يقدر على المعصية .. وهذا يثبت القهر والجبروت لله ولكن الحق سبحانه وتعالى أراد خلقاً يأتيه عن حب .. وقد يكون هذا الحب من أجل عطاء الله فى الآخرة ونعيمه وجنته فلا يضن الله على عباده بها .. وقد يكون عن حب لذات الله . لذلك يقول بعض أهل الصفاء فى معنى الآية الكريمة قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110) سورة الكهف يقولون أن داعىة أحد .. لأن الحق سبحانه وتعالى قال " من كان يريد لقاء ربه" .. أي الأنس بلقاء الله .. فإن كنت تعمل للذات وليس للعطاءات .. فإنك تكون فى أُنس الله يوم القيامة .. والذى عمل للجنة سيأخذها .. والذى عمل لما فوق داعىة يأخذه أو لم يخلق الله تعالى جنة ونار ، أما كان اهلاً لأن يعبد ؟! ولقد قالت رابعة العدوية :" اللهم إن كنت تعلم أني أعبدك طمعاً فى جنتك فاحرمني منها ، وإن كنت تعلم أني أعبدك خوفاً من نارك فأرسلني فيها ، أنا أعبدك لأنك تستحق أن تُعبد "
والحق سبحانه وتعالى : يريدك عندما تقرأ القرآن .. أن تصفي نفسك له سبحانه وتعالى وهو جل جلاله يعلم مكائد الشيطان ومداخله إلى النفس البشرية وأنه سيوسوس لك ما يفسد عليك فطرتك الإيمانية .. فيأتي القرآن على فطرة فسدت فلا يحدث إستقبال لفيوضاته على النفس البشرية .. ولكن إذا استعذت بالله فقد استعذت بخالق .. فلا يجرؤ الخلق على الإقتراب منك ولذلك إن اردت من جهاز استقبالك أن يكون صالحاً لصفاءات الإرسال سامعاً لكلام الله .. لأن الله هو الذى يتكلم .. فالقرآن ليس كلام القارىء له ولكنه كلام الله سبحانه وتعالى ..
ولذلك قال سيدنا جعفر الصادق رضي الله عنه .. وكان أكثر آل بيت رسول الله معرفة باسرار القرآن الكريم .. إن مفزعات الحياة عند الإنسان ..الخوف والغم والهم والضر وزوال النعمة.. قال عجبت لمن خاف ولم يفزع إلى قول الله سبحانه وتعالى : حسبنا الله ونعم الوكيل . فقد سمعت الله بعده يقول " فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء " وعجبت لمن ابتلي بالضر ولم يفزع إلى قول الله سبحانه وتعالى " إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين" فقد سمعت الله بعده يقول " فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر ". وعجبت لمن ابتلي بالغم كيف لم يفزع إلى قول الله تعالى " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" فقد سمعت الله بعده يقول " فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين " وعجبت لمن أُضير .. ولم يفزع لقول الله سبحانه وتعالى " وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد " فقد سمعت الله تعالى بعدها يقول " فوقاه سيئات ما مكروا" وأنت ما دمت فى معية خالقك لا يجرؤ الشيطان أن يذهب إليك أبداً
وحين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غار ثور ومعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه يوم الهجرة .. والكفار عند مدخل الغار بسلاحهم .. ماذا قال أبو بكر رضي الله عنه ؟ قال لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا .. وهذا واقع لا يكذب إلا بصفاء إيماني .. ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبه : ما ظنك باثنين الله ثالثهما وما تشير اليه الآية الكريمة بقوله تعالى : لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا(40) سورة التوبة
إذن فرسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر رضي الله عنه كلاهما فى معية الله ولكن هل كونهما فى معية الله رد على قول أبي بكر : لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا .. نقول نعم .. لأنهما فى معية الله – والله لا تدركه الأبصار – فلا تدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر الأبصار كذلك ما داما فى معية الله.
الشيخ الطبيب الإدارة
برجك الروحانى : عدد الرسائل : 899 العمر : 41 من أى دولة : مصر السٌّمعَة : -1 نقاط : 1769 تاريخ التسجيل : 28/05/2007
موضوع: رد: خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى ( تفسير الشعراوى ) الأحد 20 فبراير - 15:19
القرآن الكريم منذ اللحظة التي نزل فيها .. نزل مقرونا بسم الله سبحانه وتعالى ـ ولذلك حينما نتلوه فإننا نبدأ نفس البداية التي أرادها الله تبارك وتعالى ـ وهي أن تكون البداية بسم الله. وأول الكلمات التى نطق بها الوحي لمحمد صلى الله عليه وسلم كانت "اقرأ بسم ربك الذي خلق". وهكذا كانت بداية نزول القرآن الكريم ليمارس مهمته في الكون .. هي بسم الله. ونحن الآن حينما نقرأ القرآن نبدأ نفس البداية. ولقد كان محمد عليه الصلاة والسلام في غار حراء حينما جاءه جبريل وكان أول لقاء بين الملك الذي يحمل الوحي بالقرآن .. وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم قول الحق تبارك وتعالى: "اقرأ".
واقرأ تتطلب أن يكون الإنسان .. إما حافظا لشيء يحفظه، أو أمامه شيء مكتوب ليقرأه .. ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان حافظا لشيء يقرؤه .. وما كان أمامه كتاب ليقرأ منه .. وحتى لو كان أمامه كتاب فهو أمي لا يقرأ ولا يكتب.
وعندما قال جبريل: "اقرأ" .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنا بقارئ .. وكان الرسول الله صلى الله عليه وسلم منطقيا مع قدراته. وتردد القول ثلاث مرات .. جبريل عليه السلام بوحي من الله سبحانه وتعالى يقول للرسول "اقرأ" ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما أنا بقارئ .. ولقد أخذ خصوم الإسلام هذه النقطة .. وقالوا كيف يقول الله لرسوله اقرأ ويرد الرسول ما أنا بقارئ.
نقول إن الله تبارك وتعالى .. كان يتحدث بقدراته التي تقول للشيء كن فيكون، بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتحدث ببشريته التي تقول أنه لا يستطيع أن يقرأ ولا يكتب لتجعله معلما للبشرية كلها إلي يوم القيامة .. لأن كل البشر يعلمهم بشر .. ولكن محمد صلى الله عليه وسلم سيعلمه الله سبحانه وتعالى. ليكون معلما لأكبر علماء البشر .. يأخذون عنه العلم والمعرفة. لذلك جاء الجواب من الله سبحانه وتعالى
أي أن الله سبحانه وتعالى. الذي خلق من عدم. سيجعلك تقرأ على الناس ما يعجز علماء الدنيا وحضارات الدنيا على أن يأتوا بمثله .. وسيكون ما تقرأه وأنت النبي الأمي إعجازا .. ليس لهؤلاء الذين سيسمعونه منك لحظة نزوله. ولكن للدنيا كلها وليس في الوقت الذي ينزل فيه فقط، ولكن حتى قيام الساعة، ولذلك قال جل جلاله
أي أن الذي ستقرؤه يا محمد .. سيظل معلما للإنسانية كلها إلي نهاية الدنيا على الأرض .. ولأن المعلم هو الله سبحانه وتعالى قال: "اقرأ وربك الأكرم" مستخدما صيغة المبالغة. فهناك كريم وأكرم .. فأنت حين تتعلم من بشر فهذا دليل على كرم الله جل جلاله .. لأنه يسر لك العلم على يد بشر مثلك .. أما إذا كان الله هو الذي سيعلمك .. يكون "أكرم" .. لأن ربك قد رفعك درجة عالية ليعلمك هو سبحانه وتعالى ..
والحق يريد أن يلفتنا إلي أن محمدا عليه الصلاة والسلام لا يقرأ القرآن لأنه تعلم القراءة، ولكنه يقرأه بسم الله، ومادام بسم الله .. فلا يهم أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلم من بشر أو لم يتعلم. لأن الذي علمه هو الله .. وعلمه فوق مستوى البشرية كلها.
على أننا نبدأ أيضا تلاوة القرآن بسم الله .. لأن الله تبارك وتعالى هو الذي أنزله لنا .. ويسر لنا أن نعرفه ونتلوه .. فالأمر لله علما وقدرة ومعرفة .. واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى
لذلك أنت تقرأ القرآن بسم الله .. لأنه جل جلاله هو الذي يسره لك كلاما وتنزيلا وقراءة .. ولكن هل نحن مطالبون أن نبدأ فقط تلاوة القرآن بسم الله؟ إننا مطالبون أن نبدأ كل عمل بسم الله .. لأننا لابد أن نحترم عطاء الله في كونه. فحين نزرع الأرض مثلا .. لابد أن نبدأ بسم الله .. لأننا لم نخلق الأرض التي نحرثها .. ولا خلقنا البذرة التي نبذرها. ولا أنزلنا الماء من السماء لينمو الزرع
أن الفلاح الذي يمسك الفأس ويرمي البذرة قد يكون أجهل الناس بعناصر الأرض ومحتويات البذرة وما يفعله الماء في التربة لينمو الزرع .. إن كل ما يفعله الإنسان هو أنه يعمل فكره المخلوق من الله في المادة المخلوقة من الله .. بالطاقة التي أوجدها الله في أجسادنا ليتم الزرع. والإنسان لا قدرة له على إرغام الأرض لتعطيه الثمار .. ولا قدرة له على خلق الحبة لتنمو وتصبح شجرة. ولا سلطان له على إنزال الماء من السماء .. فكأنه حين يبدأ العمل بسم الله، يبدؤه بسم الله الذي سخر له الأرض .. وسخر له الحب، وسخر له الماء، وكلها لا قدرة له عليها .. ولا تدخل في طاقته ولا في استطاعته .. فكأنه يعلن أنه يدخل على هذه الأشياء جميعا بسم من سخرها له ..
والله تبارك وتعالى سخر لنا الكون جميعا وأعطانا الدليل على ذلك. فلا تعتقد أن لك قدرة أو ذاتية في هذا الكون .. ولا تعتقد أن الأسباب والقوانين في الكون لها ذاتية. بل هي تعمل بقدرة خالقها. الذي إن شاء أجراها وإن شاء أوقفها.
الجمل الضخم والفيل الهائل المستأنس قد يقودهما طفل صغير فيطيعانه. ولكن الحية صغيرة الحجم لا يقوى أي إنسان على أن يستأنسها. ولو كنا نفعل ذلك بقدراتنا .. لكان استئناس الحية أو الثعبان سهلا لصغر حجمها .. ولكن الله سبحانه وتعالى أراد أن يجعلها مثلا لنعلم أنه بقدراته هو قد أخضع لنا ما شاء، ولم يخضع لنا ما شاء. ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى:
وهكذا نعرف أن خضوع هذه الأنعام لنا هو بتسخير الله لها وليس بقدرتنا.
يأتي الله سبحانه وتعالى إلي أرض ينزل عليها المطر بغزارة. والعلماء يقولون إن هذا يحدث بقوانين الكون. فيلفتنا الله تبارك وتعالى إلي خطأ هذا الكلام. بأن تأتي مواسم جفاف لا تسقط فيها حبة مطر واحدة لنعلم أن المطر لا يسقط بقوانين الكون ولكن بإرادة خالق الكون .. فإذا كانت القوانين وحدها تعمل فمن الذي عطلها؟ ولكن إرادة الخالق فوق القوانين أن شاءت جعلتها تعمل وإن شاءت جعلتها لا تعمل .. إذن فكل شيء في الكون بسم الله .. هو الذي سخر وأعطى .. وهو الذي يمنح ويمنع. حتى في الأمور التي للإنسان فيها نوع من الاختيار .. واقرأ قول الحق تبارك وتعالى:
والأصل في الذرية أنها تأتي من اجتماع الذكر والأنثى .. هذا هو القانون .. ولكن القوانين لا تعمل إلا بأمر الله .. لذلك يتزوج الرجل والمرأة ولا تأتي الذرية لأنه ليس القانون هو الذي يخلق .. ولكنها إرادة خالق القانون .. إن شاء جعله يعمل .. وإن شاء يبطل عمله .. والله سبحانه وتعالى لا تحكمه القوانين ولكنه هو الذي يحكمها.
وكما أن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يجعل القوانين تفعل أو لا تفعل .. فهو قادر على أن يخرق القوانين .. خذ مثلا قصة زكريا عليه السلام .. كان يكفل مريم ويأتيها بكل ما تحتاجه .. ودخل عليها ليجد عندها ما لم يحضره لها .. وسألها وهي القديسة العابدة الملازمة لمحرابها
قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا(37)سورة آل عمران
الحق سبحانه وتعالى يعطينا هذه الصورة .. مع أن مريم بسلوكها وعبادتها وتقواها فوق كل الشبهات .. ولكن لنعرف أن الذي يفسد الكون .. هو عدم السؤال عن مصدر الأشياء التي تتناسب مع قدرات من يحصل عليها.. الأم ترى الأب ينفق ما لا يتناسب مع مرتبه .. وترى الابنة ترتدي ما هو اكبر كثيرا من مرتبها أو مصروفها .. ولو سألت الأم أو الابنة من أين لك هذا؟ لما فسد المجتمع .. ولكن الفساد يأتي من أننا نغمض أعيننا عن المال الحرام. بماذا ردت مريم عليها السلام؟ قالت "قَالَتْ كما اخبرنا الله سبحانه وتعالى
إذن فطلاقة قدرة الله لا يحكمها قانون .. لقد لفتت مريم زكريا عليهما السلام إلي طلاقة القدرة .. فدعا زكريا ربه في قضية لا تنفع فيها إلا طلاقة القدرة .. فهو رجل عجوز وامرأته عجوز وعاقر ويريد ولدا .. هذه قضية ضد قوانين الكون .. لأن الإنجاب لا يتم إلا وقت الشباب، فإذا كبر الرجل وكبرت المرأة لا ينجبان .. فما بالك إذا كانت الزوجة أساسا عاقرا .. لم تنجب وهي شابة وزوجها شاب .. فكيف تنجب وهي عجوز وزوجها عجوز .. هذه مسألة ضد القوانين التي تحكم البشر .. ولكن الله وحده القادر على أن يأتي بالقانون وضده .. ولذلك شاء أن يرزق زكريا بالولد وكان .. ورزق زكريا بابنه يحيى. إذن كل شيء في هذا الكون باسم الله .. يتم باسم الله وبإذن من الله .. الكون تحكمه الأسباب نعم ولكن إرادة الله فوق كل الأسباب.
**** يتبع بعون الرحمن ****
الشيخ الطبيب الإدارة
برجك الروحانى : عدد الرسائل : 899 العمر : 41 من أى دولة : مصر السٌّمعَة : -1 نقاط : 1769 تاريخ التسجيل : 28/05/2007
موضوع: رد: خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى ( تفسير الشعراوى ) الأحد 20 فبراير - 15:20
أنت حين تبدأ كل شيء باسم الله .. كأنك تجعل الله في جانبك يعينك .. ومن رحمة الله سبحانه وتعالى أنه علمنا أن نبدأ كل شيء باسم الله .. لأن الله هو الاسم الجامع لصفات الكمال سبحانه وتعالى .. والفعل عادة يحتاج إلي صفات متعددة .. فأنت حين تبدأ عملا تحتاج إلي قدرة الله وإلي عونه وإلي رحمته .. فلو أن الله سبحانه وتعالى لم يخبرنا بالاسم الجامع لكل الصفات .. كان علينا أن نحدد الصفات التي نحتاج إليها .. كأن نقول باسم الله القوي وبسم الله الرزاق وبسم الله المجيب وبسم الله القادر وبسم الله النافع .. إلي غير ذلك من الأسماء والصفات التي نريد أن نستعين بها .. ولكن الله تبارك وتعالى جعلنا نقول بسم الله الجامع لكل هذه الصفات.
على أننا لابد أن نقف هنا عند الذين لا يبدأون أعمالهم بسم الله وإنما يريدون الجزاء المادي وحده .. إنسان غير مؤمن لا يبدأ عمله بسم الله .. وإنسان مؤمن يبدأ كل عمل وفي باله الله .. كلاهما يأخذ من الدنيا لأن الله رب للجميع .. له عطاء ربوبية لكل خلقه الذين استدعاهم للحياة .. ولكن الدنيا ليست هي الحياة الحقيقية للإنسان .. بل الحياة الحقيقية هي الآخرة .. الذي في باله الدنيا وحدها يأخذ بقدر عطاء الربوبية .. بقدر عطاء الله في الدنيا .. والذي في باله الله يأخذ بقدرعطاء الله في الدنيا والآخرة .. ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى
لأن المؤمن يحمد الله على نعمه في الدنيا .. ثم يحمده عندما ينجيه من النار والعذاب ويدخله داعىة في الآخرة .. فلله الحمد في الدنيا والآخرة.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع" رواه السيوطى فى الجامع الصغير ، وعزاه لعبدالقادر الرهاوى فى اول كتاب(الأربعين) عن ابى هريرة باسناد حسن ورواه ابن كثير فى تفسيره " بلفظ "فهو اجذم"
ومعنى أقطع أي مقطوع الذنب أو الذيل .. أي عمل ناقص فيه شيء ضائع .. لأنك حين لا تبدأ العمل بسم الله قد يصادفك الغرور والطغيان بأنك أنت الذي سخرت ما في الكون ليخدمك وينفعل لك .. وحين لا تبدأ العمل ببسم الله .. فليس لك عليه جزاء في الآخرة فتكون قد أخذت عطاءه في الدنيا .. وبترت أو قطعت عطاءه في الآخرة .. فإذا كنت تريد عطاء الدنيا والآخرة. أقبل على كل عمل بسم الله .. قبل أن تأكل قل بسم الله لأنه هو الذي خلق لك هذا الطعام ورزقك به .. عندما تدخل الامتحان قل بسم الله فيعينك على النجاح .. عندما تدخل إلي بيتك قل بسم الله لأنه هو الذي يسر لك هذا البيت .. عندما تتزوج قل بسم الله لأنه هو الذي خلق هذه الزوجة وأباحها لك .. في كل عمل تفعله ابدأه بسم الله .. لأنها تمنعك من أي عمل يغضب الله سبحانه وتعالى .. فأنت لا تستطيع أن تبدأ عملا يغضب الله .. وتذكرت بسم الله .. فإنك ستمتنع عنه .. ستسحي أن تبدأ عملا بسم الله يغضب الله .. وهكذا ستكون أعمالك كلها فيما أباحه الله.
الله تبارك وتعالى حين نبدأ قراءة كلامه بسم الله .. فنحن نقرأ هذا الكلام لأنه من الله .. والله هو الإله المعبود في كونه .. ومعنى معبود أنه يطاع فيما يأمر به .. ولا نقدم على ما نهى عنه .. فكأنك تستقبل القرآن الكريم بعطاء الله في العبادة .. وبطاعته في افعل ولا تفعل .. وهذا هو المقصود أن تبدأ قراءة القرآن بسم الله الذي آمنت به ربا وإلها .. والذي عاهدته على أن تطيعه فيما أمر وفيما ينهى .. والذي بموجب عبادتك لله سبحانه وتعالى تقرأ كتابه لتعمل بما فيه .. والذي خلق وأوجد ويحيي ويميت وله الأمر في الدنيا والآخرة .. والذي ستقف أمامه يوم القيامة ليحاسبك أحسنت أم أسأت .. فالبداية من الله والنهاية إلي الله سبحانه وتعالى. بعض الناس يتساءل كيف أبدأ بسم الله .. وقد عصيت وقد خالفت .. نقول إياك أن تستحي أن تقرأ القرآن .. وأن تبدأ بسم الله إذا كنت قد عصيت .. ولذلك أعطانا الله سبحانه وتعالى الحيثية التي نبدأ بها قراءة القرآن فجعلنا نبدأه بسم الله الرحمن الرحيم .. فالله سبحانه وتعالى لا يتخلى عن العاصي .. بل يفتح له باب التوبة ويحثه عليها .. ويطلب منه أن يتوب وأن يعود إلي الله .. فيغفر له ذنبه، لأن الله رحمن رحيم .. فلا تقل أنني أستحي أن أبدأ بسم الله لأنني عصيته .. فالله سبحانه وتعالى يطلب من كل عاص أن يعود إلي حظيرة الإيمان وهو رحمن رحيم .. فإذا قلت كيف أقول بسم الله وقد وقعت في معصية أمس .. نقول لك قل بسم الله الرحمن الرحيم .. فرحمة الله تسع كل ذنوب خلقه .. وهو سبحانه وتعالى الذي يغفر الذنوب جميعا. والرحمة والرحمن والرحيم .. مشتق منها الرحم الذي هو مكان داعىين في بطن أمه .. هذا المكان الذي يأتيه فيه الرزق .. بلا حول ولا قوة .. ويجد فيه كل ما يحتاجه لنموه ميسراً .. رزقا من الله سبحانه وتعالى بلا تعب ولا مقابل .. انظر إلي حنو الأم على ابنها وحنانها عليه .. وتجاوزها عن سيئاته وفرحته بعودته إليها .. ولذلك قال الحق سبحانه وتعالى في حديث قدسي.
"أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته" رواه احمد والبخارى وابو داود والترمذى الله سبحانه وتعالى يريد أن نتذكر دائما أنه يحنو ويرزقنا .. ويفتح لنا أبواب التوبة بابا بعد آخر .. ونعصى فلا يأخذنا بذنوبنا ولا يحرمنا من نعمة .. ولا يهلكنا بما فعلنا. ولذلك فنحن نبدأ تلاوة القرآن الكريم بسم الله الرحمن الرحيم .. لنتذكر دائما أبواب الرحمة المفتوحة لنا .. نرفع أيدينا إلي السماء .. ونقول يا رب رحمتك .. تجاوز عن ذنوبنا وسيئاتنا. وبذلك يظل قارئ القرآن متصلا بأبواب رحمة الله .. كلما ابتعد عن المنهج أسرع ليعود إليه .. فمادام الله رحمانا ورحيما لا تغلق أبواب الرحمة أبدا.
الشيخ الطبيب الإدارة
برجك الروحانى : عدد الرسائل : 899 العمر : 41 من أى دولة : مصر السٌّمعَة : -1 نقاط : 1769 تاريخ التسجيل : 28/05/2007
موضوع: رد: خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى ( تفسير الشعراوى ) الأحد 20 فبراير - 15:21
على أننا نلاحظ أن الرحمن الرحيم من صيغ المبالغة .. يقال راحم ورحمن ورحيم .. إذا قيل راحم فيه صفة الرحمة .. وإذا قيل رحمن تكون مبالغة في الصفة .. وإذا قيل رحيم تكون مبالغة في الصفة .. والله سبحانه وتعالى رحمن الدنيا ورحيم الآخرة.. صفات الله سبحانه وتعالى لا تتأرجح بين القوة والضعف .. وإياكم أن تفهموا أن الله تأتيه الصفات مرة قليلة ومرة كثيرة. بل هي صفات الكمال المطلق .. ولكن الذي يتغير هو متعلقات هذه الصفات .. اقرأ قول الحق سبحانه وتعالى:
{إن الله لا يظلم مثقال ذرةٍ "40"} (سورة النساء)
هذه الآية الكريمة .. نفت الظلم عن الله سبحانه وتعالى، ثم تأتي الآية الكريمة بقول الله جل جلاله:
{وما ربك بظلامٍ للعبيد "46"} (سورة فصلت)
نلاحظ هنا استخدام صيغة المبالغة .. "ظلام" .. أي شديد الظلم .. وقول الحق سبحانه وتعالى: "ليس بظلام" .. لا تنفي الظلم ولكنها تنفي المبالغة في الظلم، تنفي أن يظلم ولو مثقال ذرة .. نقول أنك لم تفهم المعنى .. أن الله لا يظلم أحدا .. الآية الأولى نفت الظلم عن الحق تبارك وتعالى ولو مثقال ذرة بالنسبة للعبد .. والآية الثانية لم تقل للعبد ولكنها قالت للعبيد .. والعبيد هم كل خلق الله .. فلو أصاب كل واحدا منهم أقل من ذرة من الظلم مع هذه الأعداد الهائلة .. فإن الظلم يكون كثيراً جداً، ولو أنه قليل في كميته لأن عدد من سيصاب به هائل .. ولذلك فإن الآية الأولى نفت الظلم عن الله سبحانه وتعالى. والآية الثانية نفت الظلم أيضا عن الله تبارك وتعالى .. ولكن صيغة المبالغة استخدمت لكثرة عدد الذين تنطبق عليهم الآية الكريمة.
نأتي بعد ذلك إلي رحمن ورحيم .. رحمن في الدنيا لكثرة عدد الذين يشملهم الله سبحانه وتعالى برحمته .. فرحمة الله في الدنيا تشمل المؤمن والعاصي والكافر .. يعطيهم الله مقومات حياتهم ولا يؤاخذهم بذنوبهم، يرزق من آمن به ومن لم يؤمن به، ويعفو عن كثير .. إذن عدد الذين تشملهم رحمة الله في الدنيا هم كل خلقه. بصرف النظر عن إيمانهم.
ولكن في الآخرة الله رحيم بالمؤمنين فقط .. فالكفار والمشركون مطرودون من رحمة الله .. إذن الذين تشملهم رحمة الله في الآخرة .. أقل عددا من الذين تشملهم رحمة الله في الدنيا .. فمن أين تأتي المبالغة؟ .. تأتي المبالغة في العطاء وفي الخلود في العطاء .. فنعم الله في الآخرة اكبر كثيراً منها في الدنيا .. المبالغة هنا بكثرة النعم وخلودها .. فكأن المبالغة في الدنيا بعمومية العطاء، والمبالغة في الآخرة بخصوصية العطاء للمؤمن وكثرة النعم والخلود فيها.
لقد اختلف عدد العلماء حول بسم الله الرحمن الرحيم .. وهي موجودة في 113 سورة من القرآن الكريم هل هي من آيات السور نفسها .. بمعنى أن كل سورة تبدأ "بسم الله الرحمن الرحيم" تحسب البداية على أنها الآية الأولى من السورة، أم أنها حسبت فقط في فاتحة الكتاب، ثم بعد ذلك تعتبر فواصل بين السور.. وقال العلماء أن "بسم الله الرحمن الرحيم" آية من آيات القرآن الكريم .. ولكنها ليست آية من كل سورة ما عدا فاتحة الكتاب فهي آية من الفاتحة .. وهناك سورة واحدة في القرآن الكريم لا تبدأ بـ"بسم الله الرحمن الرحيم" وهي سورة التوبة وتكررت بسم الله الرحمن الرحيم في الآية 30 من سورة النمل في قوله تعالى:
{إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم "30"} (سورة النمل)
الشيخ الطبيب الإدارة
برجك الروحانى : عدد الرسائل : 899 العمر : 41 من أى دولة : مصر السٌّمعَة : -1 نقاط : 1769 تاريخ التسجيل : 28/05/2007
موضوع: رد: خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى ( تفسير الشعراوى ) الأحد 20 فبراير - 15:23
(الحمد لله رب العالمين "2" الرحمن الرحيم "3")
فاتحة الكتاب هي أم الكتاب، لا تصلح الصلاة بدونها، فأنت في كل ركعة تستطيع أن تقرأ آية من القرآن الكريم، تختلف عن الآية التي قرأتها في الركعة السابقة، وتختلف عن الآيات التي قرأتها في صلواتك ..
ولكن إذا لم تقرأ الفاتحة فسدت الصلاة، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من صلى صلاة لم يقرأ فيها أم القرآن فهي خداج ثلاثا غير تام" أي غير صالحة.
فالفاتحة أم الكتاب التي لا تصلح الصلاة بدونها، والله سبحانه وتعالى يقول في حديث قدسي: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل .. فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين. قال الله عز وجل حمدني عبدي. فإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله عز وجل: أثنى علي عبدي، فإذا قال مالك يوم الدين، قال الله عز وجل مجدني عبدي .. فإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين، قال الله عز وجل هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل .. وإذا قال: "اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين" قال الله عز وجل: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل.
وعلينا أن نتنبه ونحن نقرأ هذا الحديث القدسي أن الله تعالى يقول: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي، ولم يقل قسمت الفاتحة بيني وبين عبدي، ففاتحة الكتاب هي أساس الصلاة، وهي أم الكتاب.
نلاحظ أن هناك ثلاثة أسماء لله قد تكررت في بسم الله الرحمن الرحيم، وفي فاتحة الكتاب، وهذه الأسماء هي: الله. والرحمن والرحيم. نقول أن ليس هناك تكرار في القرآن الكريم، وإذا تكرر اللفظ فيكون معناه في كل مرة مختلفا عن معناه في المرة السابقة، لأن المتكلم هو الله سبحانه وتعالى .. ولذلك فهو يضع اللفظ في مكانه الصحيح، وفي معناه الصحيح..
قولنا: "بسم الله الرحمن الرحيم" هو استعانة بقدرة الله حين نبدأ فعل الأشياء .. إذن فلفظ الجلالة "الله" في بسم الله، معناه الاستعانة بقدرات الله سبحانه وتعالى وصفاته. لتكون عونا لنا على ما نفعل. ولكن إذا قلنا: الحمد لله .. فهي شكر لله على ما فعل لنا. ذلك أننا لا نستطيع أن نقدم الشكر لله إلا إذا استخدمنا لفظ الجلالة. الجامع لكل صفات الله تعالى. لأننا نحمده على كل صفاته ورحمته بنا حتى لا نقول بسم القهار وبسم الوهاب وبسم الكريم، وبسم الرحمن .. نقول الحمد لله على كمال صفاته، فيشمل الحمد كمال الصفات كلها.
وهناك فرق بين "بسم الله" الذي نستعين به على ما لا قدرة لنا عليه .. لأن الله هو الذي سخر كل ما في الكون، وجعله يخدمنا، وبين "الحمد لله" فإن لفظ الجلالة إنما جاء هنا لنحمد الله على ما فعل لنا. فكأن "بسم الله في البسملة" طلب العون من الله بكل كمال صفاته .. وكأن الحمد لله في الفاتحة تقديم الشكر لله بكل كمال صفاته.
و"الرحمن الرحيم" في البسملة لها معنى غير "الرحمن الرحيم" في الفاتحة، ففي البسملة هي تذكرنا برحمة الله سبحانه وتعالى وغفرانه حتى لا نستحي ولا نهاب أن نستعين باسم الله أن كنا قد فعلنا معصية .. فالله سبحانه وتعالى يريدنا أن نستعين باسمه دائما في كل أعمالنا.
فإذا سقط واحد منا في معصية، قال كيف استعين باسم الله، وقد عصيته؟ نقول له ادخل عليه سبحانك وتعالى من باب الرحمة .. فيغفر لك وتستعين به فيجيبك. وأنت حين تسقط في معصية تستعيذ برحمة الله من عدله، لأن عدل الله لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.
واقرأ قول الله تعالى:
{ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحد "49"} (سورة الكهف)
ولولا رحمة الله التي سبقت عدله. ما بقى للناس نعمة وما عاش أحد على ظهر الأرض .. فالله جل جلاله يقول:
{ولو يؤاخذ الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلي أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون "61"} (سورة النحل)
فالإنسان خلق ضعيفا، وخلق هلوعا. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يدخل أحدكم داعىة بعمله إلا أن يتغمده الله برحمته، قالوا: حتى أنت يا رسول الله قال: حتى أنا".
فذنوب الإنسان في الدنيا كثيرة .. إذا حكم فقد يظلم. وإذا ظن فقد يسئ .. وإذا تحدث فقد كذب .. وإذا شهد فقد يبتعد عن الحق .. وإذا تكلم فقد يغتاب. هذه ذنوب نرتكبها بدرجات متفاوتة. ولا يمكن لأحد منا أن ينسب الكمال لنفسه حتى الذين يبذلون أقصى جهدهم في الطاعة لا يصلون إلي الكمال، فالكمال لله وحده. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون". ويصف الله سبحانه وتعالى الإنسان في القرآن الكريم:
{وأتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار "34"} (سورة إبراهيم)
ولذلك أراد الحق سبحانه وتعالى ألا تمنعنا المعصية عن أن ندخل إلي كل عمل باسم الله .. فعلمنا أن نقول: "بسم الله الرحمن الرحيم" لكي نعرف أن الباب مفتوح للاستعانة بالله. وأن المعصية لا تمنعنا من الاستعانة في كل عمل باسم الله .. لأنه رحمن رحيم، فيكون الله قد أزال وحشتك من المعصية في الاستعانة به سبحانه وتعالى.
ولكن الرحمن الرحيم في الفاتحة مقترنة برب العالمين، أوجدك من عدم .. وأمدك بنعم لا تعد ولا تحصى. أنت تحمده على هذه النعم التي أخذتها برحمة الله سبحانه وتعالى في ربوبيته، ذلك أن الربوبية ليس فيها من القسوة بقدر ما فيها من رحمة. والله سبحانه وتعالى رب للمؤمن والكافر، فهو الذي استدعاهم جميعا إلي الوجود. ولذلك فإنه يعطيهم من النعم برحمته .. وليس بما يستحقون .. فالشمس تشرق على المؤمن والكافر .. ولا تحجب أشعتها عن الكافر وتعطيها للمؤمن فقط، والمطر ينزل على من يبعدون الله. ومن يعبدون أوثانا من دون الله. والهواء يتنفسه من قال لا إله إلا الله ومن لم يقلها.
وكل النعم التي هي من عطاء الربوبية لله يه في الدنيا لخلقه جميعا، وهذه رحمة .. فالله رب الجميع من أطاعه ومن عصاه. وهذه رحمة، والله قابل للتوبة، وهذه رحمة ..
إذن ففي الفاتحة تأتي "الرحمن الرحيم" بمعنى رحمة الله في ربوبيته لخلقه، فهو يمهل العاصي ويفتح أبواب التوبة لكل من يلجأ إليه.
وقد جعل الله رحمته تسبق غضبه. وهذه رحمة تستوجب الشكر. فمعنى "الرحمن الرحيم" في البسملة يختلف عنها في الفاتحة. فإذا انتقلنا بعد ذلك إلي قوله تعالى: "الحمد لله رب العالمين" فالله محمود لذاته ومحمود لصفاته، ومحمود لنعمه، ومحمود لرحمته، ومحمود لمنهجه، ومحمود لقضائه، الله محمود قبل أن يخلق من يحمده. ومن رحمة الله سبحانه وتعالى أنه جعل الشكر له في كلمتين اثنتين هما الحمد لله.
*** يتبع بحول الله ***
الشيخ الطبيب الإدارة
برجك الروحانى : عدد الرسائل : 899 العمر : 41 من أى دولة : مصر السٌّمعَة : -1 نقاط : 1769 تاريخ التسجيل : 28/05/2007
موضوع: رد: خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى ( تفسير الشعراوى ) الأحد 20 فبراير - 15:24
والعجيب أنك حين تشكر بشرا على جميل فعله تظل ساعات وساعات .. تعد كلمات الشكر والثناء، وتحذف وتضيف وتأخذ رأي الناس. حتى تصل إلي قصيدة أو خطاب ملئ بالثناء والشكر.
ولكن الله سبحانه وتعالى جلت قدرته وعظمته نعمه لا تعد ولا تحصى، علمنا أن نشكره في كلمتين اثنتين هما: الحمد لله ..
ولعلنا نفهم أن المبالغة في الشكر للبشر مكروهة لأنها تصيب الإنسان بالغرور والنفاق وتزيد العاصي في معاصيه .. فلنقلل من الشكر والثناء للبشر .. لأننا نشكر الله لعظيم نعمه علينا بكلمتين هما: الحمد لله، ومن رحمة الله سبحانه وتعالى أنه علمنا صيغة الحمد. فلو أنه تركها دون أن يحددها بكلمتين .. لكان من الصعب على البشر أن يجدوا الصيغة المناسبة ليحمدوا الله على هذا الكمال الإلهي .. فمهما أوتي الناس من بلاغة وقدرة على التعبير. فهم عاجزون على أن يصلوا إلي صيغة الحمد التي تليق بجلال المنعم ..
فكيف نحمد الله والعقل عاجز أن يدرك قدرته أو يحصي نعمه أو يحيط برحمته؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعطانا صورة العجز البشري عن حمد كمال الألوهية لله، فقال: "لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك".
وكلمتا الحمد لله، ساوى الله بهما بين البشر جميعا، فلو أنه ترك الحمد بلا تحديد، لتفاوتت درجات الحمد بين الناس بتفاوت قدراتهم على التعبير. فهذا أمي لا يقرأ ولا يكتب لا يستطيع أن يجد الكلمات التي يحمد بها الله. وهذا عالم له قدرة على التعبير يستطيع أن يأتي بصيغة الحمد بما أوتي من علم وبلاغة. وهكذا تتفاوت درجات البشر في الحمد .. طبقا لقدرتهم في منازل الدنيا.
ولكن الحق تبارك وتعالى شاء عدله أن يسوي بين عباده جميعا في صيغة الحمد له .. فيعلمنا في أول كلماته في القرآن الكريم .. أن نقول "الحمد لله" ليعطي الفرصة المتساوية لكل عبيده بحيث يستوي المتعلم وغير المتعلم في عطاء الحمد ومن أوتي البلاغة ومن لا يحسن الكلام.
ولذلك فإننا نحمد الله سبحانه وتعالى على أنه علمنا كيف نحمده وليظل العبد دائما حامدا. ويظل الله دائما محمودا .. فالله سبحانه وتعالى قبل أن يخلقنا خلق لنا موجبات الحمد من النعم، فخلق لنا السماوات والأرض وأجد لنا الماء والهواء. ووضع في الأرض أقواتها إلي يوم القيامة .. وهذه نعمة يستحق الحمد عليها لأنه جل جلاله جعل النعمة تسبق الوجود الإنساني، فعندما خلق الإنسان كانت النعمة موجودة تستقبله. بل أن الله جل جلاله قبل أن يخلق آدم أبا البشر جميعا سبقته داعىة التي عاش فيها لا يتعب ولا يشقى. فقد خلق فوجد ما يأكله وما يشربه وما يقيم حياته وما يتمتع به موجودا وجاهزا ومعدا قبل الخلق .. وحينما نزل آدم وحواء إلي الأرض كانت النعمة قد سبقتهما. فوجدا ما يأكلانه وما يشربانه، وما يقيم حياتهما .. ولو أن النعمة لم تسبق الوجود الإنساني وخلقت بعده لهلك الإنسان وهو ينتظر مجيء النعمة.
بل أن العطاء الإلهي للإنسان يعطيه النعمة بمجرد أن يخلق في رحم أمه فيجد رحما مستعدا لاستقباله وغذاء يكفيه طول مدة الحمل. فإذا خرج إلي الدنيا يضع الله في صدر أمه لبنا ينزل وقت أن يجوع ويمتنع وقت أن يشبع. وينتهي تماما عندما تتوقف فترة الرضاعة. ويجد أبا وأما يوفران له مقومات حياته حتى يستطيع أن يعول نفسه .. وكل هذا يحدث قبل أن يصل الإنسان إلي مرحة التكليف وقبل أن يستطيع أن ينطق: "الحمد لله".
وهكذا نرى أن النعمة تسبق المنعم عليه دائما .. فالإنسان حيث يقول "الحمد لله" فلأن موجبات الحمد ـ وهي النعمة ـ موجودة في الكون قبل الوجود الإنساني.
والله سبحانه وتعالى خلق لنا في هذا الكون أشياء تعطي الإنسان بغير قدرة منه ودون خضوع له، والإنسان عاجز عن أن يقدم لنفسه هذه النعم التي يقدمها الحق تبارك وتعالى له بلا جهد. فالشمس تعطي الدفء والحياة للأرض بلا مقابل وبلا فعل من البشر، والمطر ينزل من السماء دون أن يكون لك جهد فيه أو قدرة على إنزاله. والهواء موجود حولك في كل مكان تتنفس منه دون جهد منك ولا قدرة. والأرض تعطيك الثمر بمجرد أن تبذر فيها الحب وتسقيه .. فالزرع ينبت بقدرة الله. والليل والنهار يتعاقبان حتى تستطيع أن تنام لترتاح، وأن تسعى لحياتك .. لا أنت أتيت بضوء النهار، ولا أنت الذي صنعت ظلمة الليل، ولكنك تأخذ الراحة في الليل والعمل في النهار بقدرة الله دون أن تفعل شيئاً. كل هذه الأشياء لم يخلقها الإنسان، ولكنه وجدها في الكون تعطيه بلا مقابل ولا جهد منه! ألا تستحق هذه النعم أن نقول: الحمد لله على نعمة تسخير الكون لخدمة الإنسان؟
وآيات الله سبحانه وتعالى في كونه تستوجب الحمد .. فالحياة التي وهبها الله لنا، والآيات التي أودعها في كونه تدلنا على أن لهذا الكون خالقاً عظيماً .. فالكون بشمسه وقمره ونجومه وأرضه وكل ما فيه مما يفوق قدرة الإنسان، ولا يستطيع أحد أن يدعيه لنفسه، فلا أحد مهما بلغ علمه يستطيع أن يدعي أنه خلق الشمس، أو أوجد النجوم، أو وضع الأرض، أو وضع قوانين الكون، أو أعطى غلافها الجوي، أو خلق نفسه، أو خلق غيره.
هذه الآيات كلها أعطتنا الدليل على وجود قوة عظمى، وهي التي أوجدت وهي التي خلقت .. وهذه الآيات ليست ساكنة، لتجعلنا في سكونها ننساها، بل هي متحركة لتلفتنا إلي خالق هذا الكون العظيم.
فالشمس تشرق في الصباح فتذكرنا بإعجاز الخالق، وتغيب في المساء لتذكرنا بعظمة الخالق .. وتعاقب الليل والنهار يحدث أمامنا كل يوم علمنا نلتفت ونفيق .. والمطر ينزل من السماء ليذكرنا بألوهية من أنزله .. والزرع يخرج من الأرض يسقي بماء واحد، ومع ذلك فإن كل نوع له لون وله شكل وله مذاق وله رائحة، وله تكوين يختلف عن الآخر، ويأتي الحصاد فيختفي الثمر والزرع .. ويأتي موسم الزراعة فيعود من جديد.
كل شيء في هذا الكون متحرك ليذكرنا إذا نسينا، ويعلمنا أن هناك خالقاً عظيماً.
ونستطيع أن نمضي في ذلك بلا نهاية، فنعم الله لا تعد ولا تحصى .. وكل واحدة منها تدلنا على وجود الحق سبحانه وتعالى، وتعطينا الدليل الإيماني على أن لهذا الكون خالقاً مبدعاً .. وأنه لا أحد يستطيع أن يدعي أنه خلق الكون أو خلق شيئاً مما فيه .. فالقضية محسومة لله.
(والحمد لله) لأنه وضع في نفوسنا الإيمان الفطري، ثم أيده بإيمان عقلي بآياته في كونه.
كل شيء في هذا الكون يقتضي الحمد، ومع ذلك فإن الإنسان يمتدح الموجود وينسى الموجد .. فأنت حين ترى زهرة جميلة مثلاً، أو زهرة غاية في الإبداع .. أو أي خلق من خلق الله، يشيع في نفسك الجمال تمتدح هذا الخلق .. فتقول: ما أجمل هذه الزهرة، أو هذه الجوهرة، أو هذا المخلوق!! ولكن المخلوق الذي امتدحته، لم يعط صفة الجمال لنفسه .. فالزهرة لا دخل لها أن تكون جميلة أو غير جميلة، والجوهرة لا دخل لها في عظمة خلقها .. وكل شيء في هذا الكون لم يضع الجمال لنفسه، وإنما الذي وضع الجمال فيه هو الله سبحانه وتعالى، فلا نخلط ونمدح المخلوق وننسى الخالق ..
بل قل:
الحمد لله الذي أوجد في الكوم ما يذكرنا بعظمة الخالق ودقة الخلق.
ومنهج الله سبحانه وتعالى يقتضي منا الحمد، فهو تبارك وتعالى أنزل منهجه ليرينا طريق الخير، ويبعدنا عن طريق الشر. فمنهج الله عز وجل الذي أنزله على رسله قد عرفنا أن الله تبارك وتعالى هو الذي خلق لنا هذا الكون وخلقنا .. فدقة الخلق وعظمته تدلنا على عظمة خالقه، ولكنها لا تستطيع أن تقول لنا من هو، ولا ماذا يريد منا، ولذلك أرسل الله رسله، ليقول لنا: إن الذي خلق هذا الكون وخلقنا هو الله تبارك وتعالى، وهذا يستوجب الحمد
الشيخ الطبيب الإدارة
برجك الروحانى : عدد الرسائل : 899 العمر : 41 من أى دولة : مصر السٌّمعَة : -1 نقاط : 1769 تاريخ التسجيل : 28/05/2007
موضوع: رد: خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى ( تفسير الشعراوى ) الأحد 20 فبراير - 15:25
مازلنا مع خواطر الشيخ الشعرواي فى تفسيرة :
(الحمد لله رب العالمين "2" الرحمن الرحيم "3")
ومنهج الله يبين لنا ماذا يريد الحق منا، وكيف نعبده .. وهذا يستوجب الحمد، ومنهج الله جل جلاله أعطانا الطريق وشرع لنا أسلوب حياتنا تشريعاً حقاً .. فالله تبارك وتعالى لا يفرق بين أحد منا .. ولا يفضل أحداً على أحد إلا بالتقوى، فكلنا خلق متساوون أمام الله جل جلاله.
إذن: فشريعة الحق، وقول الحق، وقضاء الحق هو من الله، أما تشريعات الناس فلها هوى، تميز بعضاً عن بعض .. وتأخذ حقوق بعض لتعطيها للآخرين، ولذلك نجد في كل منهج بشرى ظلماً بشرياً.
فالدول الشيوعية أعضاء اللجنة المركزية فيها هم أصحاب النعمة والترف بينما الشعب كله في شقاء .. لأن هؤلاء الذي شرعوا اتبعوا هواهم. ووضعوا مصالحهم فوق كل مصلحة..
وكذلك الدول الرأسمالية. أصحاب رأس المال يأخذون كل الخير،
ولكن الله سبحانه وتعالى حين نزل لنا المنهج قضى بالعدل بين الناس .. وأعطى كل ذي حق حقه. وعلمنا كيف تستقيم الحياة على الأرض عندما تكون بعيدة عن الهوى البشري خاضعة لعدل الله، وهذا يوجب الحمد.
والحق سبحانه وتعالى، يستحق منا الحمد؛ لأنه لا يأخذ منا ولكنه يعطينا، فالبشر في كل عصر يحاولون استغلال البشر .. لأنهم يطمعون فيما بين أيديهم من ثروات وأموال، ولكن الله سبحانه وتعالى يعطينا ولا يأخذ منا، عنده خزائن كل شيء مصداقا لقوله جل جلاله:
{وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم "21" } (سورة الحجر)
فالله سبحانه وتعالى دائم العطاء لخلقه، والخلق يأخذون دائماً من نعم الله،
فالعبودية لله تعطيك ولا تأخذ منك شيئاً، وهذا يستوجب الحمد..
والله سبحانه وتعالى في عطائه يجب أن يطلب منه الإنسان، وأن يدعوه، وأن يستعين به، وهذا يستوجب الحمد؛ لأنه يقينا الذل في الدنيا. فأنت إن طلبت شيئاً من صاحب نفوذ، فلابد أن يحدد لك موعداً أو وقت الحديث ومدة المقابلة، وقد يضيق بك فيقف لينهي اللقاء .. ولكن الله سبحانه وتعالى بابه مفتوح دائماً .. فأنت بين يديه عندما تريد، وترفع يديك إلي السماء وتدعو وقتما تحب، وتسأل الله ما تشاء، فيعطيك ما تريده إن كان خيراً لك .. ويمنع عنك ما تريده إن كان شراً لك. والله سبحانه وتعالى يستوجب الحمد حينما يطلب منك أن تدعوه، وأن تسأله فيقول:
{وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين "60" } (سورة غافر)
ويقول سبحانه وتعالى:
{وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون "186"} (سورة البقرة)
والله سبحانه وتعالى يعف ما في نفسك، ولذلك فإنه يعطيك دون تسأل، واقرأ الحديث القدسي: يقول رب العزة: "من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين".
والله سبحانه وتعالى عطاؤه لا ينفذ، وخزائنه لا تفرغ، فكلما سألته جل جلاله كان لديه المزيد، ومهما سألته فإنه لا شيء عزيز على الله سبحانه وتعالى، إذا أراد أن يحققه لك ..
واقرأ قول الشاعر: حسب نفسي عزا بأني عبد هو في قدسه الأعز ولكن يحتفي بي بلا مـواعيد رب أنا ألقي متى وأين أحب
ووجود الله سبحانه وتعالى الواجب الوجود يستوجب الحمد .. فالله سبحانه يستحق الحمد لذاته، ولولا عدل الله لبغى الناس في الأرض وظلموا، ولكن يد الله تبارك وتعالى حين تبطش بالظالم تجعله عبرة .. فيخاف الناس الظلم .. وكل من أفلت من عقاب الدنيا على معاصيه وظلمه واستبداده سيلقى الله في الآخرة ليوفيه حسابه .. وهذا يوجب الحمد .. أن يعرف المظلوم أنه سينال جزاءه فتهدأ نفسه ويطمئن قلبه أن هناك يوما سيرى فيه ظالمه وهو يعذب في النار .. فلا تصيبه الحسرة، ويخف إحساسه بمرارة الظلم حين يعرف أن الله قائم على كونه لن يفلت من عدله أحد.
وعندما نقول: (الحمد لله) فنحن نعبر عن انفعالات متعددة .. وهي في مجموعها تحمل العبودية والثناء والشكر والعرفان .. وكثير من الانفعالات التي تملأ النفس عندما تقول: (الحمد لله) كلها تحمل الثناء العاجز عن الشكر لكمال الله وعطائه .. هذه الانفعالات تأتي وتستقر في القلب .. ثم تفيض من الجوارح على الكون كله.
فالحمد ليس ألفاظاً تردد باللسان، ولكنها تمر أولاً على العقل الذي يعي معنى النعم .. ثم بعد ذلك تستقر في القلب فينفعل بها .. وتنتقل إلي الجوارح فأقوم وأصلي لله شاكراً ويهتز جسدي كله، وتفيض الدمعة من عيني، وينتقل هذا الانفعال كله إلي من حولي.
ونفسر ذلك قليلا .. هب أنني في أزمة أو كرب أو موقف سيؤدي إلي فضيحة .. وجاءني من يفرج كربي فيعطيني مالاً أو يفتح لي طريقاً .. أول شيء أنني سأعقل هذا الجميل، فأقول: إنه يستحق الشكر .. ثم ينزل هذا المعنى إلي قلبي فيهتز القلب إلي صانع هذا الجميل .. ثم تنفعل جوارحي لأترجم هذه العاطفة إلي عمل جميل يرضيه، ثم أحدث الناس عن جميله وكرمه فيسارعون إلي الالتجاء إليه، فتتسع دائرة الحمد وتنزل النعم على الناس .. فيمرون بنفس ما حدث لي فتتسع دائرة الشكر والحمد..
والحمد لله تعطينا المزيد من النعم مصداقاً لقوله تبارك وتعالى:
وهكذا نعرف أن الشكر على النعمة يعطينا مزيداً من النعمة .. فنشكر عليها فتعطينا المزيد، وهكذا يظل الحمد دائماً والنعمة دائمة.
إننا لو استعرضنا حياتنا كلها .. نجد أن كل حركة فيها تقتضي الحمد، عندما ننام ويأخذ الله سبحانه وتعالى أرواحنا، ثم يردها إلينا عندما نستيقظ، فإن هذا يوجب الحمد، فالله سبحانه وتعالى يقول: {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلي أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون "42"} (سورة الزمر)
وهكذا فإن مجرد أن نستيقظ من النوم، ليرد الله علينا أرواحنا يستوجب الحمد، فإذا قمنا من الفراش فالله سبحانه وتعالى هو الذي أعطانا القدرة على الحركة والنهوض، ولولا عطاؤه ما استطعنا أن نقوم .. وهذا يستوجب الحمد..
الشيخ الطبيب الإدارة
برجك الروحانى : عدد الرسائل : 899 العمر : 41 من أى دولة : مصر السٌّمعَة : -1 نقاط : 1769 تاريخ التسجيل : 28/05/2007
موضوع: رد: خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى ( تفسير الشعراوى ) الأحد 20 فبراير - 15:26
(الحمد لله رب العالمين "2" الرحمن الرحيم "3")
فإذا تناولنا إفطارنا، فالله هو الذي هيأ لنا من فضله هذا الطعام، فإذا نزلنا إلي الطريق يسر الله لنا ما ينقلنا إلي مقر أعمالنا، وإذا تحدثنا مع الناس فالله سبحانه وتعالى هو الذي أعطى ألسنتنا القدرة على النطق بما وهبه الله لنا من قدرة على التعبير والبيان، وهذا يستوجب الحمد. وإذا عدنا إلي بيوتنا، فالله سخر لنا زوجاتنا ورزقنا بأولادنا، وهذا يستوجب الحمد.
إذن: فكل حركة في حياة في الدنيا من الإنسان تستوجب الحمد، ولهذا لابد أن يكون الإنسان حامداً دائماً، بل إن الإنسان يجب أن يحمد الله على أي مكروه أصابه؛ لأن الشيء الذي يعتبره شراً يكون عين الخير، فالله تعالى يقول:
{يا أيها الذين أمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ماء أتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينةٍ وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً "19"} (سورة النساء)
إذن فأنت تحمد الله لأن قضاءه خير .. سواء أحببت القضاء أو كرهته فإنه خير لك .. لأنك لا تعلم والله سبحانه وتعالى يعلم.
وهكذا من موجبات الحمد أن تقول الحمد لله على كل ما يحدث لك في دنياك. فأنت بذلك ترد الأمر إلي الله الذي خلقك .. فهو أعلم بما هو خير لك.
فاتحة الكتاب تبدأ بالحمد لله رب العالمين .. لماذا قال الله سبحانه وتعالى رب العالمين؟ نقول إن "الحمد لله" تعني حمد الألوهية. فكلمة الله تعني المعبود بحق .. فالعبادة تكليف والتكليف يأتي من الله لعبيده .. فكأن الحمد أولا لله .. ثم يقتضي بعد ذلك أن يكون الحمد لربوبية الله على إيجادنا من عدم وإمدادنا من عدم .. لأن المتفضل بالنعم قد يكون محمودا عند كل الناس .. لكن التكليف يكون شاقا على بعض الناس .. ولو علم الناس قيمة التكليف في الحياة .. لحمدوا الله أن كلفهم بافعل ولا تفعل .. لأنه ضمن عدم تصادم حركة حياتهم .. فتمضي حركة الحياة متساندة منسجمة. إذن فالنعمة الأولى هي أن المعبود أبلغنا منهج عبادته، والنعمة الثانية أنه رب العالمين.
في الحياة الدنيا هناك المطيع والعاصي، والمؤمن وغير المؤمن .. والذين يدخلون في عطاء الألوهية هم المؤمنون .. أما عطاء الربوبية فيشمل الجميع .. ونحن نحمد الله على عطاء ألوهيته، ونحمد الله على عطاء ربوبيته، لأنه الذي خلق، ولأنه رب العالمين .. الكون كله لا يخرج عن حكمه ..
فليطمئن الناس في الدنيا أن النعم مستمرة لهم بعطاء ربوبيه .. فلا الشمس تستطيع أن تغيب وتقول لن أشرق ولا النجوم تستطيع أن تصطدم ببعضها البعض في الكون، ولا الأرض تستطيع أن تمنع إنبات الزرع .. ولا الغلاف الجوي يستطيع أن يبتعد عن الأرض فيختنق الناس جميعا..
إذن فالله سبحانه وتعالى يريد أن يطمئن عباده أنه رب لكل ما في الكون فلا مسيطر على كونه وعلى كل ما خلق .. أنه رب العالمين وهذه توجب الحمد .. أن يهيئ الله سبحانه وتعالى للإنسان ما يخدمه، بل جعله سيدا في كونه .. ولذلك فإن الإنسان المؤمن لا يخاف الغد .. وكيف يخافه والله رب العالمين. إذا لم يكن عنده طعام فهو واثق أن الله سيرزقه لأنه رب العالمين .. وإذا صادفته أزمة فقلبه مطمئن إلي أن الله سيفرج الأزمة ويزيل الكرب لأنه رب العالمين .. وإذا أصابته نعمة ذكر الله فشكر عليها لأنه رب العالمين الذي أنعم عليه.
فالحق سبحانه وتعالى يحمد على أنه رب العالمين .. لا شيء في كونه يخرج عن مراده الفعلي .. أما عطاء الألوهية فجزاؤه في الآخرة .. فالدنيا دار اختيار للإيمان، والآخرة دار الجزاء .. ومن الناس من لا يعبد الله .. هؤلاء متساوون في عطاء الربوبية مع المؤمنين في الدنيا .. ولكن في الآخرة يكون عطاء الألوهية للمؤمنين وحدهم .. فنعم الله لأصحاب داعىة، وعطاءات الله لمن آمن .. واقرأ قوله تبارك وتعالى:
{قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون "32" } (سورة الأعراف)
على أن الحمد لله ليس في الدنيا فقط .. بل هو في الدنيا والآخرة .. الله محمود دائماً .. في الدنيا بعطاء ربوبيته لكل خلقه .. وعطاء ألوهيته لمن آمن به وفي الآخرة بعطائه للمؤمنين من عباده .. واقرأ قوله جل جلاله:
{وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من داعىة حيث تشاء فنعم أجر العاملين "47"} (سورة الزمر)
وقوله تعالى:
{دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين"10" } (سورة يونس)
فإذا انتقلنا إلي قوله تعالى: "الرحمن الرحيم" فمن موجبات الحمد أن الله سبحانه وتعالى رحمن رحيم .. يعطي نعمة في الدنيا لكل عباده عطاء ربوبيه، وعطاء الربوبيه للمؤمن والكافر .. وعطاء الربوبية لا ينقطع إلا عندما يموت الإنسان..
والله لا يحجب نعمه عن عبيده في الدنيا .. ونعم الله لا تعد ولا تحصى ومع كل التقدم في الآلات الحاسبة والعقول الإلكترونية وغير ذلك فإننا لم نجد أحدا يتقدم ويقول أنا سأحصي نعم الله .. لأن موجبات الإحصاء أن تكون قادرا عليه .. فأنت لا تقبل على عد شيء إلا إذا كان في قدرتك أن تحصيه .. ولكن مادام ذلك خارج قدرتك وطاقاتك فأنك لا تقبل عليه .. ولذلك لن يقبل أحد حتى يوم القيامة على إحصاء نعم الله تبارك وتعالى لأن أحدا لا يمكن أن يحصيها.
ولابد أن نلتفت إلي أن الكون كله يضيق بالإنسان، وأن العالم المقهور الذي يخدمنا بحكم القهر والتسخير يضيق حين يرى العاصين .. لأن المقهور مستقيم على منهج الله قهرا .. فحين يرى كل مقهور الإنسان الذي هو خدمته عاصيا يضيق.
وأقر الحديث القدسي لتعرف شيئا عن رحمة الله بعباده .. يقول الله عز وجل: ما من يوم تطلع شمسه إلا وتنادي السماء تقول يا رب إ إذن لي أن اسقط كسفا على ابن آدم، فقد طعم خيرك ومنع شكرك. وتقول البحار يا رب إ إذن لي أن اغرق ابن آدم فقد طعم خيرك ومنع شكرك. فيقول الله تعالى دعوهم دعوهم لو خلقتموهم لرحمتوهم أنهم عبادي فإن تابوا إلي فأنا حبيبهم، وأن لم يتوبوا فأنا طبيبهم" رواه الإمام احمد بن حنبل في مسنده"تلك تجليات صفة الرحمن وصفة الرحيم ..
وكيف ضمنت لنا بقاء كل ما يخدمنا في هذا الكون مع معصية الإنسان .. أنها كلها تخدمنا بعطاء الربوبية وتبقى في خدمتنا بتسخير الله لها لأنه رحمن رحيم..
بعض الناس قد يتساءل هل تتكلم الأرض والسماء وغيرها من المخلوقات في عالم الجماد والنبات والحيوان؟ نقول نعم أن لها لغة لا نعرفها نحن وإنما يعرفها خالقها .. بدليل أنه منذ الخلق الأول أبلغنا الحق تبارك وتعالى أن هناك لغة لكل هذه المخلوقات .. واقرأ قوله جل جلاله:
{ثم استوى إلي السماء وهي دخان فقال لها وللأرض آتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين"11" } (سورة فصلت)
إذن فالأرض والسماء فهمت عن الله .. وقالت له سبحانه وتعالى "أتينا طائعين" ألم يعلم الله سليمان منطق الطير ولغة النملة؟ ألم تسبح الجبال مع داود؟ إذن كل خلق الله له ادراكات مناسبة له .. بل له عواطف .. فعندما تكلم الله سبحانه وتعالى عن قوم فرعون .. قال:
{كم تركوا من جنات وعيون "25" وزروع ومقامٍ كريمٍ "26" ونعمة كانوا فيها فاكهين "27" كذلك وأورثناها قوماً آخرين "28" فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين"29" } (سورة إبراهيم)
إذن فالسماوات والأرض لهما انفعال .. انفعال يصل إلي مرحلة البكاء .. فهما لم تبكيا على فرعون وقومه .. ولكنهما تبكيان حزنا عندما يفارقهما الإنسان المؤمن المصلي المطبق لمنهج الله ..
ولقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (إذا مات المؤمن بكى عليه موضعان .. موضع في الأرض وموضع في السماء .. أما الموضع في الأرض هو مكان مصلاه الذي أسعده وهو يصلي فيه. وأما الموضع في السماء فهو مصعد عمله الطيب)
الشيخ الطبيب الإدارة
برجك الروحانى : عدد الرسائل : 899 العمر : 41 من أى دولة : مصر السٌّمعَة : -1 نقاط : 1769 تاريخ التسجيل : 28/05/2007
موضوع: رد: خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى ( تفسير الشعراوى ) الأحد 20 فبراير - 15:27
(مالك يوم الدين "4" إياك نعبد وإياك نستعين"5")
إذا كانت كل نعم الله تستحق الحمد .. فإن "مالك يوم الدين" تستحق الحمد الكبير .. لأنه لو لم يوجد يوم للحساب، لنجا الذي ملأ الدنيا شروراً. دون أن يجازى على ما فعل .. ولكان الذي التزم بالتكليف والعبادة وحرم نفسه من متع دنيوية كثيرة إرضاء لله قد شقي في الحياة الدنيا .. ولكن لأن الله تبارك وتعالى هو "مالك يوم الدين" .. فقد أعطى الاتزان للوجود كله .. هذه الملكية ليوم الدين هي التي حمت الضعيف والمظلوم وأبقت الحق في كون الله ..
أن الذي منع الدنيا أن تتحول إلي غابة .. يفتك فيها القوي بالضعيف والظالم بالمظلوم .. أن هناك آخرة وحساباً، وأن الله سبحانه وتعالى هو الذي سيحاسب خلقه..
والإنسان المستقيم استقامته تنفع غيره .. لأنه يخشى الله ويعطي كل ذي حقه ويعفو ويسامح .. إذن كل من حوله قد استفاد من خلقه الكريم ومن وقوفه مع الحق والعدل..
أما الإنسان العاصي فيشقى به المجتمع لأنه لا أحد يسلم من شره ولا أحد إلا يصيبه ظلمه .. ولذلك فإن "مالك يوم الدين " هي الميزان .. تعرف أنت أن الذي يفسد في الأرض تنتظره الآخرة .. لن يفلت مهما كانت قوته ونفوذه، فتطمئن اطمئنانا كاملاً إلي أن عدل الله سينال كل ظالم.
على أن "مالك يوم الدين" لها قراءتان .. "مالك يوم الدين" .. وملك يوم الدين. والقراءتان صحيحتان .. والله تبارك وتعالى وصف نفسه في القرآن الكريم بأنه: "مالك يوم الدين" ..
ومالك الشيء هو المتصرف فيه وحده .. ليس هناك دخل لأي فرد آخر .. أنا أملك عباءتي .. وأملك متاعي، وأملك منزلي، وأنا المتصرف في هذا كله أحكم فيه بما أراه..
فمالك يوم الدين .. معناها أن الله سبحانه وتعالى سيصرف أمور العباد في ذلك اليوم بدون أسباب .. وأن كل شيء سيأتي من الله مباشرة .. دون أن يستطيع أحد أن يتدخل ولو ظاهراً.. ففي الدنيا يعطى الله الملك ظاهرا لبعض الناس .. ولكن في يوم القيامة ليس هناك ظاهر .. فالأمر مباشر من الله سبحانه وتعالى .. ولذلك يقول الله في وصف يوم الدين:
{كلا بل تكذبون بالدين "9" } (سورة الانفطار)
فكأن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان في الدنيا لتمضي بها الحياة .. ولكن في الآخرة لا توجد أسباب. الملك في ظاهر الدنيا من الله يهبه لمن يشاء .. واقرأ قوله تعالى:
{قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير "26" } (سورة آل عمران)
ولعل قوله تعالى: "تنزع" تلفتنا إلي أن أحدا في الدنيا لا يريد أن يترك الملك .. ولكن الملك يجب أن ينتزع منه انتزاعا رغما عن إرادته .. والله هو الذي ينزع الملك ممن يشاء..
وهنا نتساءل هل الملك في الدنيا والآخرة ليس لله؟ .. نقول الأمر في كل وقت لله .. ولكن الله تبارك وتعالى استخلف بعض خلقه أو مكنهم من الملك في الأرض .. ولذلك نجد في القرآن الكريم قوله تعالى:
{ألم تر إلي الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين "258" } (سورة البقرة)
والذي حاج إبراهيم في ربه كافر منكر للألوهية .. ومع ذلك فإنه لم يأخذ الملك بذاته .. بل الله جل جلاله هو الذي أتاه الملك .. إذن الله تبارك وتعالى هو الذي استخلف بعض خلقه ومكنهم من ملك الأرض ظاهريا .. ومعنى ذلك أنه ملك ظاهر للناس فقط .. أن بشرا أصبح ملكا .. ولكن الملك ليس نابعا من ذات من يملك .. ولكنه نابع من أمر الله .. ولو كان نابعا من ذاتية من يملك لبقى له ولم ينزع منه .. والملك الظاهر يمتحن فيه العباد، فيحاسبهم الله يوم القيامة .. كيف تصرفوا؟ وماذا فعلوا؟ .. ويمتحن فيه الناس هل سكتوا على الحاكم الظالم؟ .. وهل استحبوا المعصية؟
الشيخ الطبيب الإدارة
برجك الروحانى : عدد الرسائل : 899 العمر : 41 من أى دولة : مصر السٌّمعَة : -1 نقاط : 1769 تاريخ التسجيل : 28/05/2007
موضوع: رد: خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى ( تفسير الشعراوى ) الأحد 20 فبراير - 15:28
(مالك يوم الدين "4" إياك نعبد وإياك نستعين"5")
أم أنهم وقفوا مع الحق ضد الظلم؟ .. والله سبحانه وتعالى لا يمتحن الناس ليعلم المصلح من المفسد .. ولكنه يمتحنهم ليكونوا شهداء على أنفسهم .. حتى لا يأتي واحد منهم يوم القيامة ويقول: يا رب لو أنك أعطيتني الملك لا تبعت طريق الحق وطبقت منهجك.
وهنا يأتي سؤال .. إذا كان الله سبحانه وتعالى يعلم كل شيء فلماذا الامتحان؟ .. نقول أننا إذا أردنا أن نضرب مثلا يقرب ذلك إلي الأذهان .. ولله المثل الأعلى .. نجد أن الجامعات في كل أنحاء الدنيا تقيم الامتحانات لطلابها .. فهل أساتذة الجامعة الذي علموا هؤلاء الطلاب يجهلون ما يعرفه الطالب ويريدون أن يحصلوا منه على العلم؟ .. طبعا لا .. ولكن ذلك يحدث حتى إذا رسب الطالب في الامتحان .. وجاء يجادل واجهوه بإجابته فيسكت .. ولو لم يعقد الامتحان لادعي كل طالب أنه يستحق مرتبة الشرف.
إذا قال الحق تبارك وتعالى: "مالك يوم الدين" .. أي الذي يملك هذا اليوم وحده يتصرف فيه كما يشاء .. وإذا قيل: "مالك يوم الدين" فتصرفه أعلى على المالكين لأن المالك لا يتصرف إلا في ملكه .. ولكن الملك يتصرف في ملكه وملك غيره .. فيستطيع أن يصدر قوانين بمصادرة أو تأميم ما يملكه غيره.
الذين قالوا: "مالك يوم الدين" اثبتوا لله سبحانه وتعالى أنه مالك هذا اليوم يتصرف فيه كما يشاء دون تدخل من أحد ولو ظاهرا: والذين يقرأون ملك .. يقولون أن الله سبحانه وتعالى في ذلك اليوم يقضي في أمر خلقه حتى الذين ملكهم في الدنيا ظاهرا .. ونحن نقول عندما يأتي يوم القيامة لا مالك ولا ملك إلا الله.
الله تبارك وتعالى يريد أن يطمئن عباده .. أنهم إذا كانوا قد ابتلوا بمالك أو ملك يطغى عليهم فيوم القيامة لا مالك ولا ملك إلا الله جل جلاله .. عندما تقول مالك أو ملك يوم الدين .. هناك يوم وهناك الدين .. اليوم عندنا من شروق الشمس إلي شروق الشمس .. هذا ما نسيمه فكليا يوما .. واليوم في معناه ظرف زمان تقع فيه الأحداث ..
والمفسرون يقولون: "مالك يوم الدين" أي مالك أمور الدين لأن ظرف الزمان لا يملك .. نقول أن هذا بمقاييس ملكية البشر، فنحن لا نملك الزمن .. الماضي لا نستطيع أن نعيده، والمستقبل لا نستطيع أن نأتي به .. ولكن الله تبارك وتعالى هو خالق الزمان .. والله جل جلاله لا يحده زمان ولا مكان .. كذلك قوله تعالى: "مالك يوم الدين" لا يحده زمان ولا مكان .. واقرأ قوله سبحانه:
{ويستعجلوك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون "47"} (سورة الحج)
وقوله تعالى:
{تعرج الملائكة والروح إليه في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنةٍ "4" } (سورة المعارج)
وإذا تأملنا هاتين الآيتين نعرف معنى اليوم عند الله تبارك وتعالى .. ذلك أن الله جل جلاله هو خالق الزمن .. ولذلك فإنه يستطيع أن يخلق يوما مقداره ساعة .. ويوما كأيام الدنيا مقداره أربع وعشرون ساعة .. ويوم مقداره ألف سنة .. ويوما مقداره خمسون ألف سنة ويوما مقداره مليون سنة .. فذلك خاضع لمشيئة الله.
ويوم الدين موجود في علم الله سبحانه وتعالى. بأحداثه كلها بجنته وناره .. وكل الخلق الذين سيحاسبون فيه .. وعندما يريد أن يكون ذلك اليوم ويخرج من علمه جل جلاله إلي علم خلقه .. سواء كانوا من الملائكة أو من البشر أو الجان يقول: كن .. فالله وحده هو خالق هذا اليوم .. وهو وحده الذي يحدد كل أبعاده ..
واليوم نحن نحدده ظاهرا بأنه أربع وعشرون ساعة .. ونحدده بأنه الليل والنهار .. ولكن الحقيقة أن الليل والنهار موجودان دائما على الأرض .. فعندما تتحرك الأرض، كل حركة هي نهاية نهار في منطقة وبداية نهار في منطقة أخرى .. وبداية ليل في منطقة ونهاية ليل في منطقة أخرى .. ولذلك في كل لحظة ينتهي يوم ويبدأ يوم .. وهكذا فإن الكرة الأرضية لو أخذتها بنظرة شاملة لا ينتهي عليها نهار أبدا .. ولا ينتهي عنها ليل أبدا .. إذن فاليوم نسبي بالنسبة لكل بقعة في الأرض .. ولكنه في الحقيقة دائم الوجود على كل الكرة الأرضية.
والله سبحانه وتعالى يريد أن يطمئن عباده .. أنهم إذا أصابهم ظلم في الدنيا .. فإن هناك يوم لا ظلم فيه .. وهذا اليوم الأمر فيه لله وحده بدون أسباب .. فكل إنسان لو لم يدركه العدل والقصاص في الدنيا فإن الآخرة تنتظره .. والذي أتبع منهج الله وقيد حركته في الحياة يخبره الله سبحانه وتعالى أن هناك يوم سيأخذ فيه أجره وعظمة الآخرة أنها تعطيك داعىة .. نعيم لا يفوتك ولا تفوته.
ولقد دخل أحد الأشخاص على رجل من الصالحين .. وقال له: أريد أن أعرف .. أأنا من أهل الدنيا أم من الآخرة؟ .. فقال له الرجل الصالح .. أن الله أرحم بعباده، فلم يجعل موازينهم في أيدي أمثالهم .. فميزان كل إنسان في يد نفسه .. لماذا؟ .. لأنك تستطيع أن تعرف أأنت من أهل الدنيا أم من أهل الآخرة. قال الرجل كيف ذلك؟ فرد العبد الصالح: إذا دخل عليك من يعطيك مالا .. ودخل عليك من يأخذ منك صدقة .. فبأيهما تفرح؟ .. فسكت الرجل .. فقال العبد الصالح: إذا كنت تفرح بمن يعطيك مالا فأنت من أهل الدنيا .. وإذا كنت تفرح بمن يأخذ منك صدقة فأنت من أهل الآخرة .. فإن الإنسان يفرح بمن يقدم له ما يحبه .. فالذي يعطيني مالا يعطيني الدنيا .. والذي يأخذ مني صدقة يعطيني الآخرة .. فإن كنت من أهل الآخرة .. فأفرح بمن يأخذ منك صدقة .. أكثر من فرحك بمن يعطيك مالا. ولذلك كان بعض الصالحين إذا دخل عليه من يريد صدقة يقول مرحبا بمن جاء يحمل حسناتي إلي الآخرة بغير أجر .. ويستقبله بالفرحة والترحاب.
قول الحق سبحانه وتعالى: "مالك يوم الدين" .. هي قضية ضخمة من قضايا العقائد .. لأنها تعطينا أن البداية من الله، والنهاية إلي الله جل جلاله .. وبما أننا جميعا سنلقى الله، فلابد أن نعمل لهذا اليوم .. ولذلك فإن المؤمن لا يفعل شيئا في حياته إلا وفي باله الله .. وأنه سيحاسبه يوم القيامة .. ولكن غير المؤمن يفعل ما يفعل وليس في باله الله .. وعن هؤلاء يقول الحق سبحانه:
{والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعةْ يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجده الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب "39"} (سورة النور)
وهكذا من يفعل شيئا وليس في باله الله .. سيفاجأ يوم القيامة بأن الله تبارك وتعالى الذي لم يكن في باله موجود وأنه جل جلاله هو الذي سيحاسبه.
الشيخ الطبيب الإدارة
برجك الروحانى : عدد الرسائل : 899 العمر : 41 من أى دولة : مصر السٌّمعَة : -1 نقاط : 1769 تاريخ التسجيل : 28/05/2007
موضوع: رد: خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى ( تفسير الشعراوى ) الأحد 20 فبراير - 15:29
(مالك يوم الدين "4" إياك نعبد وإياك نستعين"5")
وقوله تعالى: "مالك يوم الدين" هي أساس الدين .. لأن الذي لا يؤمن بالآخرة يفعل ما يشاء .. فمادام يعتقد أنه ليس هناك آخره وليس هناك حساب .. فمم يخاف؟ .. ومن أجل من يقيد حركته في الحياة..
أن الدين كله بكل طاعاته ولك منهجه قائم على أن هناك حسابا في الآخرة .. وأن هناك يوما نقف فيه جميعا أمام الله سبحانه وتعالى .. ليحاسب المخطئ ويثيب الطائع .. هذا هو الحكم في كل تصرفاتنا الإيمانية .. فلو لم يكن هناك يوم نحاسب فيه .. فلماذا نصلي؟ .. ولماذا نصوم؟ .. ولماذا نتصدق؟..
أن كل حركات منهج السماء قائمة على أساس ذلك اليوم الذي لن يفلت منه أحد .. والذي يجب علينا جميعا أن نستعد له .. أن الله سبحانه وتعالى سمى هذا اليوم بالنسبة للمؤمنين يوم الفوز العظيم .. والذي يجعلنا نتحمل كل ما نكره ونجاهد في سبيل الله لنستشهد .. وننفق أموالنا لنعين الفقراء والمساكين .. كل هذا أساسه أن هناك يوما سنقف فيه بين يدي الله .. والله تبارك وتعالى سماه يوم الدين .. لأنه اليوم الذي سيحاسب فيه كل إنسان على دينه عمل به أم ضيعه .. فمن آمن واتبع الدين سيكافأ بالخلود في داعىة .. ومن أنكر الدين وأنكر منهج الله سيجازى بالخلود في النار..
ومن عدل الله سبحانه وتعالى أن هناك يوما للحساب .. لأن بعض الناس الذين ظلموا وبغوا في الأرض ربما يفلتون من عقاب الدنيا .. هل هؤلاء الذين افلتوا في الدنيا من العقاب هل يفلتون من عدل الله؟ .. أبدا لم يفلتوا .. بل أنهم انتقلوا من عقاب محدود إلي عقاب خالد .. وافلتوا من العقاب بقدرة البشر في الدنيا .. إلي عقاب بقدرة الله تبارك وتعالى في الآخرة .. ولذلك لابد من وجود يوم يعيد الميزان .. فيعاقب فيه كل من أفسد في الأرض وأفلت من العقاب .. بل إن الله سبحانه وتعالى يجعل إنسانا يفلت من عقاب الدنيا .. فلا تعتقد أن هذا خير له بل أنه شر له .. لأنه أفلت من عقاب محدود إلي عقاب أبدي.
والحمد الكبير لله بأنه "مالك يوم الدين" .. وهو وحده الذي سيقضي بين خلقه. فالله سبحانه وتعالى يعامل خلقه جميعا معاملة متساوية .. وأساس التقوى هو يوم الدين.
وقبل أن نتكلم عن قول الحق تبارك وتعالى: "إياك نعبد وإياك نستعين" .. لابد أن نتحدث عن قضية هامة .. فهناك نوعان من الرؤية .. الرؤية العينية أي بالعين .. والرؤية الإيمانية أي بالقلب .. وكلاهما مختلف عن الآخر .. رؤية العين هي أن يكون الشيء أمامك تراه بعينيك، وهذه ليس فيها قضية إيمان .. فلا تقول أنني أومن أنني أراك أمامي لأنك تراني فعلا .. مادمت تراني فهذا يقين .. ولكن الرؤية الإيمانية هي أن تؤمن كأنك ترى ما هو غيب أمامك .. وتكون هذه الرؤية أكثر يقينا من رؤية العين .. لأنها رؤية إيمان ورؤية بصيرة .. وهذه قضية هامة
وقد روي عمر بن الخطاب قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر. لا يرى عليه أثر السفر. ولا يعرفه منا أحد. حتى جلس إلي النبي صلى الله عليه وسلم. فأسند ركبتيه إلي ركبتيه. ووضع كفيه على فخذيه قال: يا محمد أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله. وأن محمدا رسول الله. وتقيم الصلاة. وتؤتي الزكاة. وتصوم رمضان. وتحج البيت أن استطعت إليه سبيلا قال:صدقت. فعجبنا له يسأله ويصدقه. قال: فاخبرني عن الإيمان. قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. وتؤمن القدر؛ خيره وشره قال: صدقت. قال: فاخبرني عن الإحسان، قال: أن تعبد الله كأنك تراه. فإن لم تكن تراه فأنه يراك. قال: فاخبرني عن الساعة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل. قال: فاخبرني عن أماراتها قال: أن تلد الأمة ربتها. وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان. قال: ثم انطلق فلبثت مليا .. ثم قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: يا عمر أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم.
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
<أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك>
.. هو بيان للرؤية الإيمانية في النفس المؤمنة .. فالإنسان حينما يؤمن، لابد أن يأخذ كل قضاياه برؤية إيمانية .. حتى إذا قرأ آية عن داعىة فكأنه يرى أهل داعىة وهم ينعمون .. وإذا قرأ آية عن أهل النار اقشعر بدنه .. وكأنه يرى أهل النار وهم يعذبون.
ذات يوم شاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد صحابته وكان اسمه الحارث .. فقال له: كيف أصبحت يا حارث؟ فقال: أصبحت مؤمنا حقا قال الرسول: فانظر ما تقول. فإن لكل قول حقيقة. فما حقيقة إيمانك؟ قال الحارث: عزفت نفسي عن الدنيا. فأسهرت ليلي. وأظمأت نهاري. وكأني انظر عرش ربي بارزا. وكأني انظر إلي أهل داعىة يتزاورون فيها. وكأني انظر إلي أهل النار يتضاغون فيها. (يتصايحون فيها) قال النبي "يا حارث عرفت فالزم" ولذلك نجد أن الحق سبحانه وتعالى وهو يخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم .. يقول:
{ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل "1" } (سورة الفيل)
يأخذ بعض المستشرقين هذه الآية في محاولة للطعن في القرآن الكريم .. فقوله تعالى: "ألم تر" .. ورسول الله صلى الله عليه وسلم ولد في عام الفيل .. أنه لم ير لأنه كان طفلا عمره أياما أو شهورا .. لو قال الله سبحانه وتعالى ألم تعلم .. لقلنا علم من غيره .. فالعلم تحصل عليه أنت أو يعطيه لك من علمه .. أي يعلمك غيرك من البشر .. ولكن الله سبحانه وتعالى قال: "ألم تر".. نقول أن هذه قضية من قضايا الإيمان .. فما يقوله الله سبحانه وتعالى هو رؤية صادقة بالنسبة للإنسان المؤمن .. فالقرآن هو كلام متعبد بتلاوته حتى قيام الساعة .. وقول الله: "ألم تر" .. معناها أن الرؤية مستمرة لكل مؤمن بالله يقرأ هذه الآية .. فمادام الله تبارك وتعالى قال: "ألم تر" .. فأنت ترى بإيمانك ما تعجز عينك عن أن تراه .. هذه هي الرؤية الإيمانية، وهي أصدق من رؤية العين .. لأن العين قد تخدع صاحبها ولكن القلب المؤمن لا يخدع صاحبه أبدا..
الشيخ الطبيب الإدارة
برجك الروحانى : عدد الرسائل : 899 العمر : 41 من أى دولة : مصر السٌّمعَة : -1 نقاط : 1769 تاريخ التسجيل : 28/05/2007
موضوع: رد: خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى ( تفسير الشعراوى ) الأحد 20 فبراير - 15:30
(مالك يوم الدين "4" إياك نعبد وإياك نستعين"5")
على أن هناك ما يسمونه ضمير الغائب .. إذا قلت زيد حضر .. فهو موجود أمامك .. ولكن إذا قلت قابلت زيدا .. فكأن زيداً غائب عنك ساعة قلت هذه الجملة .. قابلته ولكنه ليس موجوداً معك ساعة الحديث..
إذن فهناك حاضر وغائب ومتكلم .. الغائب هو من ليس موجوداً أو لا نراه وقت الحديث .. والحاضر هو الموجود وقت الحديث .. والمتكلم هو الذي يتحدث. وقضايا العقيدة كلها ليس فيها مشاهدة، ولكن الإيمان بما هو غيب عنا يعطينا الرؤية الإيمانية التي هي كما قلنا أقوى من رؤية البصر.
فالله سبحانه وتعالى حين يقول "الحمد لله رب العالمين" .. "الله" غيب "ورب العالمين" غيب .. "والرحمن الرحيم" .. "غيب" .. و"مالك يوم الدين" غيب .. وكان السياق اللغوي يقتضي أن يقال إياه نعبد. ولكن الله سبحانه وتعالى غير السياق ونقله من الغائب إلي الحاضر .. وقال: "إياك نعبد" فانتقل الغيب إلي حضور المخاطب .. فلم يقل إياه نعبد .. ولكنه قال: "إياك نعبد" .. فأصبحت رؤية يقين إيماني.
فأنت في حضرة الله سبحانه وتعالى الذي غمرك بالنعم، وهذه تراها وتحيط بك لأنه "رب العالمين" .. وجعلك تطمئن إلي قضائه لأنه "الرحمن الرحيم" أي أن ربوبيته جل جلاله ليست ربوبية جبروت بل هي ربوبية "الرحمن الرحيم" فإذا لم تحمده وتؤمن به بفضل نعمه التي تحسها وتعيش فيها. فأحذر من مخالفة منهجه لأنه "مالك يوم الدين".
حين يستحضر الحق سبحانه وتعالى ذاته بكل هذه الصفات .. التي فيها فضائل الألوهية، ونعم الربوبية .. والرحمة التي تمحو الذنوب والرهبة من لقائه يوم القيامة تكون قد انتقلت من صفات الغيب إلي محضر الشهود .. استحضرت جلال الألوهية لله وفيوضات رحمته .. ونعمه التي لا تحد وقيوميته يوم القيامة..
عندما تقرأ قوله تعالى: "إياك نعبد" فالعبارة هنا تفيد الخصوصية .. بمعنى أنني إذا قلت لإنسان أنني سأقابلك، قد أقابله وحده، وقد أقابله مع جمع من الناس. ولكن إذا قلت إياك سأقابل .. فمعنى ذلك أن المقابلة ستكون خاصة..
الحق سبحانه وتعالى حين قال: "إياك نعبد" قصر العبادة على ذاته الكريمة .. لأنه لو قال نعبدك وحدك فهي لا تؤدي نفس المعنى .. لأنك قد تقول نعبدك وحدك ومعك كذا وكذا. ولكن إذا قلت "إياك نعبد" وقدمت إياك .. تكون قد حسمت الأمر بأن العبادة لله وحده .. فلا يجوز العطف عليها .. فالعبادة خضوع لله سبحانه و تعالى بمنهجه افعل ولا تفعل .. ولذلك جعل الصلاة أساس العبادة، والسجود هو منتهى الخضوع لله .. لأنك تأتي بوجهك الذي هو أكرم شيء فيك وتضعه على الأرض عند موضع القدم. فيكون هذا هو منتهى الخضوع لله .. ويتم هذا أمام الناس جميعا في الصلاة. لإعلان خضوعك لله أمام البشر جميعا.
ويستوي في العبودية الغني والفقير والكبير والصغير .. حتى يطرد كل منا الكبر والاستعلاء من قلبه أمام الناس جميعا فيساوى الحق جل جلاله بين عباده في الخضوع له وفي إعلان هذا الخضوع. وقول الحق سبحانه وتعالى: "إياك نعبد" تنفي العبودية لغير الله .. أي لا نعبد غير الله ولا يعطف عليها أبدا .. إذن "إياك نعبد" أعطت تخصيص العبادة لله وحده لا إله غيره ولا معبود سواه .. وعلينا أن نلتفت إلي قوله تبارك وتعالى:
{لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون "22" } (سورة الأنبياء)
وهكذا فإننا عندما نقول "الحمد لله" فإننا نستحضر موجبات الحمد وهي نعم الله ظاهرة وباطنة .. وحين نقول "رب العالمين" نستحضر نعم الربوبية في خلقه وإخضاع كونه .. وحين نستحضر "الرحمن الرحيم" فإننا نستحضر الرحمة والمغفرة ومقابلة الإساءة بالإحسان وفتح باب التوبة .. وحين نستحضر: "مالك يوم الدين" نستحضر يوم الحساب وكيف أن الله تبارك وتعالى سيجازيك على أعمالك .. فإذا استحضرنا هذا كله نقول: "إياك نعبد" أي أننا نعبد الله وحده .. إذن عرفنا المطلوب منا وهو العبادة.
وهنا نتوقف قليلا لنتحدث عما يطلقون عليه في اللغة "العلة والمعلول" إذا أراد ابنك أن ينجح في الامتحان فإنه لابد أن يذاكر .. وعلة المذاكرة هي النجاح .. فكأن النجاح ولد في ذهني أولا. بكل ما يحققه لي من مميزات ومستقبل مضمون وغير ذلك مما أريده وأسعى إليه.
إذن فالدافع قبل الواقع .. أي أنك استحضرت النجاح في ذهنك .. ثم بعد ذلك ذاكرت لتجعل النجاح حقيقة واقعة. وأنت إذا أردت مثلا أن تسافر إلي مكان ما .. فالسيارة سبب يحقق لك ما تريد وقطع الطريق سبب آخر. ولكن الدافع الذي جعلني أنزل من بيتي واركب السيارة وأقطع الطريق .. هو أنني أريد أن أسافر إلي الإسكندرية مثلا .. الدافع هنا وهو الوصول إلي الإسكندرية .. هو الذي وجد والله سبحانه وتعالى خلقنا في الحياة لنعبده .. مصداقا لقوله تبارك وتعالى:
{وما خلقت داعى والإنس إلا ليعبدون "56" } (سورة الذاريات)
إذن فعلة الخلق هي العبادة .. ولقد تم الخلق لتتحقق العبادة وتصبح واقعا .. ولكن "العلة والمعلول" لا تنطبق على أفعال الله سبحانه وتعالى .. نقول ليس هناك علة تعود على الله جل جلاله بالفائدة. لأن الله تبارك وتعالى غني عن العالمين .. ولكن العلة تعود على الخلق بالفائدة .. فالله سبحانه وتعالى خلقنا لنعبده. ولكن علة الخلق ليس لأن هذه العبادة ستزيد شيئا في ملكه .. وإنما عبادتنا تعود علينا نحن بالخير في الدنيا والآخرة..
أن أفعال الله لا تعلل، والمأمور بالعبادة هو الذي سينتفع بها.
ولكن هل العبادة هي الجلوس في المساجد والتسبيح أم أنها منهج يشمل الحياة كلها .. في بيتك وفي عملك وفي السعي في الأرض؟ .. ولو أراد الله سبحانه وتعالى من عباده الصلاة والتسبيح فقط .. لما خلقهم مختارين بل خلقهم مقهورين لعبادته ككل ما خلق ما عدا الإنس وداعى .. والله تبارك وتعالى له صفة القهر .. من هنا فإنه يستطيع أن يجعل من يشاء مقهورا على عبادته .. مصداقا لقوله جل جلاله:
{لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين "3" إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين "4" } (سورة الشعراء)
فلو أراد الله أن يخضعنا لمنهجه قهراً .. لا يستطيع أحد أن يشذ عن طاعته .. وقد أعطانا الله الدليل على ذلك بأن في أجسادنا وفي أحداث الدنيا .. ما نحن مقهورون عليه .. فالجسد مقهور لله في أشياء كثيرة. القلب ينبض ويتوقف بأمر الله دون إرادة منا .. والمعدة تهضم الطعام ونحن لا ندري عنها شيئا .. والدورة الدموية في أجسادنا لا إرادة لنا فيها .. وأشياء كثيرة في الجسد البشري كلها مقهورة لله سبحانه وتعالى .. وليس لإرادتنا دخل في عملها .. وما يقع على في الحياة من أحداث أنا مقهور فيه .. لا أستطيع أن أمنعه من الحدوث .. فلا أستطيع أن أمنع سيارة أن تصدمني .. ولا طائرة أن تحترق بي .. ولا كل ما يقع علي من أقدار الله في الدنيا..
الشيخ الطبيب الإدارة
برجك الروحانى : عدد الرسائل : 899 العمر : 41 من أى دولة : مصر السٌّمعَة : -1 نقاط : 1769 تاريخ التسجيل : 28/05/2007
موضوع: رد: خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى ( تفسير الشعراوى ) الأحد 20 فبراير - 15:31
إذن فمنطقة الاختيار في حياتي محددة .. لا أستطيع أن أتحكم في يوم مولدي .. ولا فيمن هو أبي ومن هي أمي .. ولا في شكلي هل أنا طويل أم قصير؟ جميل أم قبيح أو غير ذلك.
إذن فمنطقة الاختيار في الحياة هي المنهج أن أفعل أو لا أفعل. الله سبحانه وتعالى له من كل خلقه عبادة القهر .. ولكنه يريد من الإنس وداعى عبادة المحبوبية .. ولذلك خلقنا ولنا اختيار في أن نأتيه أو لا نأتيه .. في أن نطيعه أو نعصاه. في أن نؤمن به أو لا نؤمن.
فإذا كنت تحب الله فأنت تأتيه عن اختيار. تنازل عما يغضبه حبا فيه، وتفعل ما يطلبه حبا فيه وليس قهرا .. فإذا تخليت عن اختيارك إلي مرادات الله في منهجه .. تكون قد حققت عبادة المحبوبية لله تبارك وتعالى .. وتكون قد أصبحت من عباد الله وليس من عبيد الله .. فكلنا عبيد لله سبحانه وتعالى، والعبيد متساوون فيما يقهرون عليه. ولكن العباد الذين يتنازلون عن منطقة الاختيار لمراد الله في التكليف .. ولذلك فإن الحق جل جلاله .. يفرق في القرآن الكريم بين العباد والعبيد .. يقو تعالى:
{وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون "186"} (سورة البقرة)
ويقول سبحانه وتعالى:
{وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً والذين يبتون لربهم سجداً وقيماً والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراماً "63"} (سورة الفرقان)
وهكذا نرى أن الله سبحانه وتعالى أعطى أوصاف المؤمنين وسماهم عبادا .. ولكن عندما يتحدث عن البشر جميعا يقول عبيد .. مصداقا لقوله تعالى:
{ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد "182" } (سورة آل عمران)
ولكن قد يقول قائل: أن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه العزيز:
{ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل "17" } (سورة الفرقان)
الحديث هنا عن العاصين والضالين. ولكن الله سبحانه وتعالى قال عنهم عباد. نقول إن هذا في الآخرة .. وفي الآخرة كلنا عباد لأننا مقهورون لطاعة الله الواحد المعبود تبارك وتعالى .. لأن الاختيار البشري ينتهي ساعة الاحتضار .. ونصبح جميعا عباداً لله مقهورين على طاعته لا اختيار لنا في شيء.
والله سبحانه وتعالى قد أعطى الإنسان اختياره في الحياة الدنيا في العبودية فلم يقهره في شيء ولا يلزم غير المؤمن به بأي تكليف .. بل إن المؤمن هو الذي يلزم نفسه بالتكليف وبمنهج الله فيدخل في عقد إيماني مع الله تبارك وتعالى .. ولذلك نجد أن الله جل جلاله لا يخاطب الناس جميعا في التكليف .. وإنما يخاطب الذين آمنوا فقط فيقول:
{يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون "183"} (سورة البقرة)
ويقول سبحانه:
{يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين "153" } (سورة البقرة)
أي أن الله جل جلاله لا يكلف إلا المؤمن الذي يدخل في عقد إيماني مع الله. وسيد المرسلين محمد صلى اله عليه وسلم عندما نضعه في معيار العبادية يكون القمة .. فهو صلى الله عليه وسلم الذي حقق العبادية المرادة لله من خلق الله كما يحبها الله.. إذن فالذي يقول غاية الخلق كله محمد عليه الصلاة والسلام .. نقول أن هذا صحيح، لأنه صلى الله عليه وسلم حقق العبادية المثلى المطلوبة من الله تبارك وتعالى .. والتي هي علة الخلق .. وهكذا نعرف المقامات العالية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عند خالقه.
والله تبارك وتعالى قرن العبادة له وحده بالاستعانة به سبحانه .. فقال جل جلاله: "إياك نعبد وإياك نستعين" أي لا نعبد سواك ولا نستعين إلا بك. والاستعانة بالله سبحانه وتعالى تخرجك عن ذل الدنيا. فأنت حين تستعين بغير الله فإنك تستعين ببشر مهما بلغ نفوذه وقوته فكلها في حدود بشريته.. ولأننا نعيش في عالم أغيار .. فإن القوى يمكن أن يصبح ضعيفا .. وصاحب النفوذ يمكن أن يصبح في لحظة واحدة طريداً شريداً لا نفوذ له .. ولو لم يحدث هذا. فقد يموت ذلك الذي تستعين به فلا تجد أحد يعينك.
ويريد الله تبارك وتعالى أن يحرر المؤمن من ذل الدنيا .. فيطلب منه أن يستعين بالحي الذي لا يموت .. وبالقوي الذي لا يضعف، وبالقاهر الذي لا يخرج عن أمره أحد .. وإذا استعنت بالله سبحانه وتعالى. كان الله جل جلاله بجانبك. وهو وحده الذي يستطيع أن يحول ضعفك إلي قوة وكذلك إلي عز .. والمؤمن دائما يواجه قوي اكبر منه .. ذلك أن الذين يحاربون منهج الله يكونون من الأقوياء ذوي النفوذ الذي يحبون أن يستعبدوا غيرهم .. فالمؤمن سيدخل معهم في صراع .. ولذلك فإن الحق يحض عباده المؤمنين بأنه معهم في الصراع بين الحق والباطل .. وقوله تعالى: "وإياك نستعين" مثل: "إياك نعبد" .. أي نستعين بك وحدك وهي دستور الحركة في الحياة .. لأن استعان معناها طلب المعونة، أي أن الإنسان استنفد أسبابه ولكنها خذلته .. حينئذ لابد أن يتذكر أن له ربا لا يعبد سواه. لن يتخلى عنه بل يستعين به .. وحين تتخلى الأسباب فهناك رب الأسباب وهو موجود دائما .. السماء .. والله سبحانه وتعالى يكون معه.
الشيخ الطبيب الإدارة
برجك الروحانى : عدد الرسائل : 899 العمر : 41 من أى دولة : مصر السٌّمعَة : -1 نقاط : 1769 تاريخ التسجيل : 28/05/2007
موضوع: رد: خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى ( تفسير الشعراوى ) الأحد 20 فبراير - 15:32
(اهدنا الصراط المستقيم "6" صراط الذين أنعمت عليهـــــم غيــــــــــر المغضوب عليهم ولا الضالين "7")
بعد أن آمنت بالله سبحانه وتعالى إلها وربا .. واستحضرت عطاء الألوهية ونعم الربوبية وفيوضات رحمة الله على خلقه. وأعلنت أنه لا إله إلا الله. وقولك: "إياك نعبد" أي أن العبادة لله تبارك وتعالى لا نشرك به شيئا ولا نعبد إلا إياه .. وأعلنت أنك ستستعين بالله وحده بقولك: "إياك نستعين". فأنك قد أصبحت من عباد الله. ويعلمك الله سبحانه وتعالى الدعاء الذي يتمناه كل مؤمن .. ومادامت من عباد الله، فإن الله جل جلاله سيستجيب لك .. مصداقا لقوله سبحانه: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون "186"} (سورة البقرة)
والمؤمن لا يطلب الدنيا أبدا .. لماذا؟ .. لأن الحياة الحقيقية للإنسان في الآخرة. فيها الحياة الأبدية والنعيم الذي لا يفارقك ولا تفارقه. فالمؤمن لا يطلب مثلا أن يرزقه الله مالا كثيراً ولا أن يمتلك عمارة مثلا .. لأنه يعلم أن كل هذا وقتي وزائل .. ولكنه يطلب ما ينجيه من النار ويوصله إلي داعىة..
ومن رحمة الله تبارك وتعالى أنه علمنا ما نطلب .. وهذا يستوجب الحمد لله .. وأول ما يطلب المؤمن هو الهداية والصراط المستقيم: "إهدنا الصراط المستقيم".
والهداية نوعان:
1- هداية دلالة 2- وهداية معونة.
هداية الدلالة هي للناس جميعا .. وهداية المعونة هي للمؤمنين فقط المتبعين لمنهج الله.
والله سبحانه وتعالى هدى كل عباده هداية دلالة أي دلهم على طريق الخير وبينه لهم .. فمن أراد أن يتبع طريق الخير اتبعه .. ومن أراد ألا يتبعه تركه الله لما أراد.. هذه الهداية العامة هي أساس البلاغ عن الله. فقد بين لنا الله تبارك وتعالى في منهجه بافعل ولا تفعل ما يرضيه وما يغضبه .. وأوضح لنا الطريق الذي نتبعه لنهتدي. والطريق الذي لو سلكناه حق علينا غضب الله وسخطه .. ولكن هل كل من بين له الله سبحانه وتعالى طريق الهداية اهتدى؟ .. نقول لا .. واقرأ قوله جل جلاله:
{وأما ثمود فديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون "17" } (سورة فصلت)
إذن هناك من لا يأخذ طريق الهداية بالاختيار الذي أعطاه الله له .. فلو أن الله سبحانه وتعالى أرادنا جميعا مهديين .. ما استطاع واحد من خلقه أن يخرج على مشيئته. ولكنه جل جلاله خلقنا مختارين لنأتيه عن حب ورغبة بدلا من أن يقهرنا على الطاعة .. وما الذي يحدث للذين اتبعوا طريق الهداية والذين لم يتبعوه وخالفوا مراد اله الشرعي في كونه؟
أي أن كل من يتخذ طريق الهداية يعينه الله عليه .. ويزيده تقوى وحبا في الدين .. أما الذين إذا جاءهم الهدى ابتعدوا عن منهج الله وخالفوه .. فإن الله تبارك وتعالى يتخلى عنهم ويتركهم في ضلالهم. واقرأ قوله تعالى:
{ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين "36" } (سورة الزخرف)
والله سبحانه وتعالى قد يبين لنا المحرومين من هداية المعونة على الإيمان وهم ثلاثة كما بينهم لنا في القرآن الكريم:
{ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين "107" } (سورة النحل)
{ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد إيمانهم واتقوا الله واسمعوا والله لا يهدي القوم الفاسقين "108"} (سورة المائدة)
{ألم تر إلي الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين "258" } (سورة البقرة)
إذن فالمطرودون من هداية الله في المعونة على الإيمان .. هم الكافرون والفاسقون والظالمون ..
الحق سبحانه وتعالى يقول: "اهدنا الصراط المستقيم" ما هو الصراط؟ .. إنه الطريق الموصلة إلي الغاية. ولماذا نص على أنه الصراط المستقيم. لأن الله سبحانه وتعالى وضع لنا في منهجه الطريق المستقيم .. وهو أقصر الطرق إلي تحقيق الغاية .. فأقصر طريق بين نقطتين هو الطريق المستقيم. ولذلك إذا كنت تقصد مكانا فأقصر طريق تسلكه .. هو الطريق الذي لا اعوجاج فيه ولكنه مستقيم تماما.. ولا تحسب أن البعد عن الطريق المستقيم يبدأ باعوجاج كبير. بل باعوجاج صغير جدا ولكنه ينتهي إلي بعد كبير.
*** يتبع بعون الرحمن ***
الشيخ الطبيب الإدارة
برجك الروحانى : عدد الرسائل : 899 العمر : 41 من أى دولة : مصر السٌّمعَة : -1 نقاط : 1769 تاريخ التسجيل : 28/05/2007
موضوع: رد: خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى ( تفسير الشعراوى ) الأحد 20 فبراير - 15:33
(اهدنا الصراط المستقيم "6" صراط الذين أنعمت عليهـــــم غيــــــــــر المغضوب عليهم ولا الضالين "7")
ويكفي أن تراقب قضبان السكة الحديد .. عندما يبدأ القطار في اتخاذ طريق غير الذي كان يسلكه فهو لا ينحرف في أول الأمر إلا بضعة ملليمترات .. أي أن أول التحويلة ضيق جدا وكلما مشيت اتسع الفرق وازداد اتساعا. بحيث عند النهاية تجد أن الطريق الذي مشيت فيه .. يبعد عن الطريق الأول عشرات الكيلو مترات وربما مئات الكيلو مترات ..
إذن فأي انحراف مهما كان بسيطا يبعدك عن الطريق المستقيم بعدا كبيرا .. ولذلك فإن الدعاء: "اهدنا الصراط المستقيم" أي الطريق الذي ليس فيه اعوجاج ولو بضعة ملليمترات .. الطريق الذي ليس فيه مخالفة تبعدنا عن طريق الله المستقيم.
لذلك فإن الإنسان المؤمن يطلب من الله سبحانه وتعالى أن يهديه إلي أقصر الطرق للوصول إلي الغاية .. وما هي الغاية؟ أنها داعىة والنعيم في الآخرة .. ولذلك نقول يا رب اهدنا وأعنا على أن نسلك الطريق المستقيم وهو طريق المنهج .. ليوصلنا إلي داعىة دون أن يكون فيه أي اعوجاج يبعدنا عنها.
ولقد قال الله سبحانه وتعالى في حديث قدسي. أنه إذا قال العبد: "اهدنا الصراط المستقيم" يقول جل جلاله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل.
يقول الحق تبارك وتعالى: "صراط الذين أنعمت عليهم" ما معنى "الذين أنعمت عليهم"؟ .. اقرأ الآية الكريمة:
{ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً "69"} (سورة النساء)
وأنت حين تقرأ الآية الكريمة فأنت تطلب من الله تبارك وتعالى أن تكون مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين .. أي أنك تطلب من الله جل جلاله .. أن يجعلك تسلك نفس الطريق الذي سلكه هؤلاء لتكون معهم في الآخرة .. فكأنك تطلب الدرجة العالية في داعىة .. لأن كل من ذكرناهم لهم مقام عال في جنة النعيم .. وهكذا فإن الطلب من الله سبحانه وتعالى هو أن يجعلك تسلك الطريق الذي لا اعوجاج فيه. والذي يوصلك في أسرع وقت إلي الدرجة العالية في الآخرة.
وعندما نعرف أن الله سبحانه وتعالى قال: (هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) .. تعرف أن الاستجابة تعطيك الحياة العالية في الآخرة وتمتعك بنعيم الله. ليس بقدرات البشر كما يحدث في الدنيا .. ولكن بقدرة الله تبارك وتعالى .. وإذا كانت نعم الدنيا لا تعد ولا تحصى .. فكيف بنعم الآخرة؟ لقد قال الله سبحانه وتعالى عنها:
{لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد "35" } (سورة ق)
أي أنه ليس كل ما تطلبه فقط ستجده أمامك بمجرد وروده على خاطرك ـ ولكن مهما طلبت من النعم ومهما تمنيت فالله جل جلاله عنده مزيد .. ولذلك فإنه يعطيك كل ما تشاء ويزيد عليه بما لم تطلب ولا تعرف من النعم .. وهذا تشبيه فقط ليقرب الله تبارك وتعالى صورة النعيم إلي أذهاننا، ولكن داعىة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
وبما أن المعاني لابد أن توجد أولا في العقل ثم يأتي اللفظ المعبر عنها .. فكل شيء لا نعرفه لا توجد في لغتنا ألفاظ تعبر عنه. فنحن لم نعرف اسم التليفزيون مثلا إلا بعد أن اخترع وصار له مفهوم محدد. تماما كما لم نعرف اسم الطائرة قبل أن يتم اختراعها ..
فالشيء يوجد أولا ثم بعد ذلك يوضع اللفظ المعبر عنه.
ولذلك فإن مجامع اللغات في العالم تجتمع بين فترة وأخرى. لتضع أسماء لأشياء جديدة اخترعت وعرفت مهمتها..
ومادام ذلك هو القاعدة اللغوية، فإنه لا توجد ألفاظ في لغة البشر تعبر عن النعيم الذي سيعيشه أهل داعىة لأنه لم تره عين ولم تسمع به أذن ولا خطر على القلب .. ولذلك فإن كل ما نقرؤه في القرآن الكريم يقرب لنا الصورة فقط. ولكنه لا يعطينا حقيقة ما هو موجود. ولذلك نجد الله سبحانه وتعالى حين يتحدث عن داعىة في القرآن الكريم يقول:
{مثل داعىة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء وغير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طمعه وأنهار من خمرٍ لذةٍ للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميماً فقطع أمعاءهم "15"} (سورة محمد)
أي أن هذا ليس حقيقة داعىة ولكنها مثل فقط يقرب ذلك إلي الأذهان .. لأنه لا توجد ألفاظ في لغات البشر يمكن أن تعطينا حقيقة ما في داعىة.
وقوله تعالى: "غير المغضوب عليهم" ..
أي غير الذين غضبت عليهم يا رب من الذين عصوا. ومنعت عنهم هداية الإعانة .. الذين عرفوا المنهج فخالفوه وارتكبوا كل ما حرمه الله فاستحقوا غضبه.
ومعنى غير "المغضوب عليهم" أي يا رب لا تيسر لن الطريق الذي نستحق به غضبك. كما استحقه أولئك الذين غيروا وبدلوا في منهج الله ليأخذوا سلطة زمنية في الحياة الدنيا وليأكلوا أموال الناس بالباطل.. وقد وردت كلمة "المغضوب عليهم" في القرآن الكريم في قوله تعالى:
{قل هو أنبئكم بشرٍ من ذلك مثوبة عند الله من لعنة وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكاناً وأضل عن سواء السبيل "60"} (سورة المائدة)
وهذه الآيات نزلت في بني إسرائيل.
وقول الله تعالى:
"ولا الضالين" هناك الضال والمضل .. الضال هو الذي ضل الطريق فاتخذ منهجا غير منهج الله .. ومشى في الضلالة بعيدا عن الهدى وعن دين الله .. ويقال ضل الطريق أي مشي فيه وهو لا يعرف السبيل إلي ما يريد أن يصل إليه .. أي أنه تاه في الدنيا فأصبح وليا للشيطان وابتعد عن طريق الله المستقيم .. هذا هو الضال .. ولكن المضل هو من لم يكتف بأنه ابتعد عن منهج الله وسار في الحياة على غير هدى .. بل يحاول أن يأخذ غيره إلي الضلالة .. يغري الناس بالكفر وعدم اتباع المنهج والبعد عن طريق الله ..
وكل واحد من العاصين يأتي يوم القيامة يحمل ذنوبه .. إلا المضل فإنه يحمل ذنوبه وذنوب من أضلهم. مصداقا لقوله سبحانه:
{ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون "25" } (سورة النحل)
الشيخ الطبيب الإدارة
برجك الروحانى : عدد الرسائل : 899 العمر : 41 من أى دولة : مصر السٌّمعَة : -1 نقاط : 1769 تاريخ التسجيل : 28/05/2007
موضوع: رد: خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى ( تفسير الشعراوى ) الأحد 20 فبراير - 15:35
(اهدنا الصراط المستقيم "6" صراط الذين أنعمت عليهـــــم غيــــــــــر المغضوب عليهم ولا الضالين "7")
أي أنك وأنت تقرأ الفاتحة .. فأنك تستعيذ بالله أن تكون من الذين ضلوا .. ولكن الحق سبحانه وتعالى لم يأتي هنا بالمضلين. نقول أنك لكي تكون مضلا لابد أن تكون ضالا أولا .. فالاستعاذة من الضلال هنا تشمل الاثنين. لأنك مادمت قد استعذت من أن تكون ضالا فلن تكون مضلا أبدا.
بقى أن نتكلم عن ختم فاتحة الكتاب. بقولنا آمين أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي علمه جبريل عليه السلام أن يقول بعد قراءة الفاتحة آمين، فهي من كلام جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليست كلمة من القرآن.
وكلمة آمين معناها استجب يا رب فيما دعوناك به من قولنا: "اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم" أي أن الدعاء هنا له شيء مطلوب تحقيقه. وآمين دعاء لتحقيق المطلوب .. وكلمة آمين اختلف العلماء فيها .. أهي عربية أم غير عربية.
وهنا يثور سؤال .. كيف تدخل كلمة غير عربية في قرآن حكم الله بأنه عربي..؟ نقول أن ورود كلمة ليست من أصل عربي في القرآن الكريم. لا ينفي أن القرآن كله عربي. بمعنى أنه إذا خوطب به العرب فهموه .. وهناك ألفاظ دخلت في لغة العرب قبل أن ينزل القرآن .. ولكنها دارت على الألسن بحيث أصبحت عربية وألفتها الأذان العربية..
فليس المراد بالعربي هو أصل اللغة العربية وحدها .. وإنما المراد أن القرآن نزل باللغة التي لها شيوع على ألسنة العرب. وما دام اللفظ قد شاع على اللسان قولا وفي الآذان سمعها. فإن الأجيال التي تستقبله لا تفرق بينه وبين غيره من الكلمات التي هي من أصل عربي .. فاللفظ الجديد أصبح عربيا بالاستعمال وعند نزول القرآن كانت الكلمة شائعة شيوع الكلمة العربية.
واللغة ألفاظ يصطلح على معانيها. بحيث إذا أطلق اللفظ فهم المعنى. واللغة التي نتكلمها لا تخرج عن اسم وفعل وحرف .. الاسم كلمة والفعل كلمة والحرف كلمة .. والكلمة لها معنى في ذاتها ولكن هل هذا المعنى مستقل في الفهم أو غير مستقل .. إذا قلت محمد مثلا فهمت الشخص الذي سمى بهذا الاسم فصار له معنى مستقل .. وإذا قلت كتب فهمت أنه قد جمع الحروف لتقرأ على هيئة كتابة .. ولكن إذا قلت ماذا وهي حرف ليس هناك معنى مستقل .. وإذا قلت "في" دلت على الظرفية ولكنها لم تدلنا على معنى مستقل. بل لابد أن تقول الماء في الكوب .. أو فلان على الفرس .. غير المستقل في الفهم نسميه حرفا لا يظهر معناه إلا بضم شيء له .. والفعل يحتاج إلي زمن، ولكن الاسم لا يحتاج إلي زمن..
إذن الاسم هو ما دل على معنى مستقل بالفهم وليس الزمن جزءا منه .. والفعل ما دل على فعل مستقل بالفهم والزمن جزء منه .. والحرف دل على معنى غير مستقل .. ما هي علامة الفعل؟ هي أنك تستطيع أن تسند إليه تاء الفاعل .. أي تقول كتبت والفاعل هو المتكلم .. ولكن الاسم لا يضاف إليه تاء الفاعل فلا تقول محمدت .. إذا رأيت شيئا يدل على الفعل أي يحتاج إلي زمن .. ولكنه لا يقبل تاء الفاعل فإنه يكون اسم على فعل.
آمين من هذا النوع ليست فعلا فهي اسم مدلولة مدلول الفعل .. معناه استجب ..
فأنت حين تسمع كلمة "آه" أنها اسم لفعل بمعنى أتوجع .. وساعة تقول "أف" اسم فعل بمعنى أتضجر .. وآمين اسم فعل بمعنى استجب .. ولكنك تقولها مرة وأنت القارئ، وتقولها مرة وأنت السامع. فساعة تقرأ الفاتحة تقول آمين .. أي أنا دعوت يا رب فاستجب دعائي .. لأنك لشدة تعلقك بما دعوت من الهداية فأنك لا تكتفي بقول اهدنا ولكن تطلب من الله الاستجابة. وإذا كنت تصلي في جماعة فأنت تسمع الإمام، وعندما قلت آمين فأنت شريك في الدعاء ..
ولذلك فعندما دعا موسى عليه السلام أن يطمس الله على أموال قوم فرعون ويهلكهم قال الله لموسى:
{قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون "89" } (سورة يونس)
أي الخطاب من الله سبحانه وتعالى موجه إلي موسى وهارون. ولكن موسى عليه السلام هو الذي دعا .. وهارون أمن على دعوة موسى فأصبح مشاركا في الدعاء .
الشيخ الطبيب الإدارة
برجك الروحانى : عدد الرسائل : 899 العمر : 41 من أى دولة : مصر السٌّمعَة : -1 نقاط : 1769 تاريخ التسجيل : 28/05/2007
موضوع: رد: خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى ( تفسير الشعراوى ) الأحد 20 فبراير - 15:35
سورة البقرة
(آلم "1")
بدأت سورة البقرة بقوله تعالى"ألم" .. وهذه الحروف مقطعة ومعنى مقطعة أن كل حرف ينطق بمفرده. لأن الحرف لها أسماء ولها مسميات .. فالناس حين يتكلمون ينطقون بمسمى الحرف وليس باسمه .. فعندما تقول كتب تنطق بمسميات الحروف. فإذا أردت أن تنطق بأسمائها. تقول كاف وتاء وباء .. ولا يمكن أن ينطق بأسماء الحروف إلا من تعلم ودرس، أما ذلك الذي لم يتعلم فقد ينطق بمسميات الحروف ولكنه لا ينطق بأسمائها، ولعل هذه أول ما يلفتنا. فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان أميا لا يقرأ ولا يكتب ولذلك لم يكن يعرف شيئا عن أسماء الحروف. فإذا جاء ونطق بأسماء الحروف يكون هذا إعجازاً من الله سبحانه وتعالى .. بأن هذا القرآن موحى به إلي محمد صلى الله عليه وسلم .. ولو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم درس وتعلم لكان شيئا عاديا أن ينطق بأسماء الحروف. ولكن تعال إلي أي أمي لم يتعلم .. أنه يستطيع أن ينطق بمسميات الحروف .. يقول الكتاب وكوب وغير ذلك .. فإذا طلبت منه أن ينطق بمسميات الحروف فأنه لا يستطيع أن يقول لك. أن كلمة كتاب مكونة من الكاف والتاء والألف والباء .. وتكون هذه الحروف دالة على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في البلاغ عن ربه. وأن هذا القرآن موحى به من الله سبحانه وتعالى.
ونجد في فواتح السور التي تبدأ بأسماء الحروف. تنطق الحروف بأسمائها وتجد نفس الكلمة في آية أخرى تنطق بمسمياتها. فألم في أول سورة البقرة نطقتها بأسماء الحروف ألف لام ميم. بينما تنطقها بمسميات الحروف في شرح السورة في قوله تعالى:
{ألم نشرح لك صدرك "1" } (سورة الشرح)
وفي سورة الفيل في قوله تعالى:
{ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل "1" } (سورة الفيل)
ما الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ينطق "ألم" في سورة البقرة بأسماء الحروف .. وينطقها في سورتي الشرح والفيل بمسميات الحروف؟؟ لابد أن رسول الله عليه الصلاة والسلام سمعها من الله كما نقلها جبريل عليه السلام إليه هكذا. إذن فالقرآن أصله السماع لا يجوز أن تقرأه إلا بعد أن تسمعه ، لتعرف أن هذه تقرأ ألف لام ميم والثانية تقرأ ألم .. مع أن الكتابة واحدة في الاثنين .. ولذلك لابد أن تستمع إلي فقيه ولا استمعوا إلي قارئ .. ثم بعد ذلك يريدون أن يقرأوا القرآن كأي كتاب. نقول لا .. القرآن له تميز خاص .. أنه ليس كأي كتاب تقرؤه .. لأنه مرة يأتي باسم الحرف. ومرة يأتي بمسميات الحرف. وأنت لا يمكن أن تعرف هذا إلا إذا استمعت لقارئ يقرأ القرآن.
والقرآن مبني على الوصل دائما وليس على الوقف، فإذا قرأت في آخر سورة يونس مثلا: "وهو خير الحاكمين" لا تجد النون عليها سكون بل تجد عليها فتحة، موصولة بقول الله سبحانه وتعالى بسم الله الرحمن الرحيم. ولو كانت غير موصولة لوجدت عليها سكون..
إذن فكل آيات القرآن الكريم مبنية على الوصل .. ما عدا فواتح السور المكونة من حروف فهي مبنية على الوقف .. فلا تقرأ في أول سورة البقرة: "ألم" والميم عليها ضمة. بل تقرأ ألفا عليها سكون ولاما عليها سكون وميما عليها سكون. إذن كل حرف منفرد بوقف. مع أن الوقف لا يوجد في ختام السور ولا في القرآن الكريم كله.
وهناك سور في القرآن الكريم بدأت بحرف واحد مثل قوله تعالى:
{ص والقرآن ذي الذكر "1" } (سورة ص)
{ن والقلم وما يسطرون "1" } (سورة القلم)
ونلاحظ أن الحرف ليس آية مستقلة. بينما "ألم" في سورة البقرة آية مستقلة. و:"حم". و: "عسق" آية مستقلة مع أنها كلمة حروف مقطعة. وهناك سور تبدأ بآية من خمسة حروف مثل "كهيعص" في سورة مريم .. وهناك سور تبدأ بأربعة حروف. مثل "المص" في سورة "الأعراف". وهناك سور تبدأ بأربعة حروف وهي ليست آية مستقلة مثل "ألمر" في سورة "الرعد" متصلة بما بعدها .. بينما تجد سورة تبدأ بحرفين هما آية مستقلة مثل: "يس" في سور يس. و"حم" في سورة غافر وفصلت .. و: "طس" في سورة النمل. وكلها ليست موصلة بالآية التي بعدها .. وهذا يدلنا على أن الحروف في فواتح السور لا تسير على قاعدة محددة.
"ألم" مكونة من ثلاث حروف تجدها في ست سور مستقلة .. فهي آية في البقرة وآل عمران والعنكبوت والروم والسجدة ولقمان. و"الر" ثلاثة حروف ولكنها ليست آية مستقلة. بل جزء من الآية في أربع سور هي: يونس ويوسف وهود وإبراهيم .. و: "المص" من أربعة حروف وهي آية مستقلة في سورة "الأعراف" و "المر" أربعة حروف، ولكنها ليست آية مستقلة في سورة الرعد إذن فالمسألة ليست قانونا يعمم، ولكنها خصوصية في كل حرف من الحروف.
وإذا سألت ما هو معنى هذه الحروف؟.. نقول أن السؤال في أصله خطأ .. لأن الحرف لا يسأل عن معناه في اللغة إلا إن كان حرف معنى .. والحروف نوعان: حرف مبني وحرف معنى. حرف المبنى لا معنى له إلا للدلالة على الصوت فقط .. أما حروف المعاني فهي مثل في. ومن .. وعلى .. (في) تدل على الظرفية .. و(من) تدل على الابتداء و(إلي) تدل على الانتهاء .. و(على) تدل على الاستعلاء .. هذه كلها حروف معنى. وإذا كانت الحروف في أوائل السور في القرآن الكريم قد خرجت عن قاعدة الوصل لأنها مبنية على السكون لابد أن يكون لذلك حكمة .. أولا لنعرف
*** يتبع بعون الرحمن ***
الشيخ الطبيب الإدارة
برجك الروحانى : عدد الرسائل : 899 العمر : 41 من أى دولة : مصر السٌّمعَة : -1 نقاط : 1769 تاريخ التسجيل : 28/05/2007
موضوع: رد: خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى ( تفسير الشعراوى ) الأحد 20 فبراير - 15:37
تابع سورة البقرة
(آلم "1")
وإذا كانت الحروف في أوائل السور في القرآن الكريم قد خرجت عن قاعدة الوصل لأنها مبنية على السكون لابد أن يكون لذلك حكمة .. أولا لنعرف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف"
ولذلك ذكرت في القرآن كحروف استقلالية لنعرف ونحن نتعبد بتلاوة القرآن الكريم أنا نأخذ حسنة على كل حرف. فإذا قرأنا بسم الله الرحمن الرحيم. يكون لنا بالباء حسنة وبالسين حسنة وبالميم حسنة فيكون لنا ثلاثة حسنات بكلمة واحدة من القرآن الكريم. والحسنة بعشر أمثالها. وحينما نقرأ "ألم" ونحن لا نفهم معناها نعرف أن ثواب القرآن على كل حرف نقرؤه سواء فهمناه أم لم نفهمه .. وقد يضع الله سبحانه وتعالى من أسراره في هذه الحروف التي لا نفهمها ثوابا وأجرا لا نعرفه. ويريدنا بقراءتها أن نحصل على هذا الأجر..
والقرآن الكريم ليس إعجازا في البلاغة فقط. ولكنه يحوي إعجازا في كل ما يمكن للعقل البشري أن يحوم حوله. فكل مفكر متدبر في كلام الله يجد إعجازا في القرآن الكريم. فالذي درس البلاغة رأى الإعجاز البلاغي، والذي تعلم الطب وجد إعجازا طبيا في القرآن الكريم. وعالم النباتات رأى إعجازا في آيات القرآن الكريم، وكذلك عالم الفلك..
وإذا أراد إنسان منا أن يعرف معنى هذه الحروف فلا نأخذها على قدر بشريتنا .. ولكن نأخذها على قدر مراد الله فيها .. وقدراتنا تتفاوت وأفهامنا قاصرة.
فكل منا يملك مفتاحاً من مفاتيح الفهم كل على قدر علمه .. هذا مفتاح بسيط يفتح مرة واحدة وآخر يدور مرتين .. وآخر يدور ثلاث مرات وهكذا .. ولكن من عنده العلم يملك كل المفاتيح، أو يملك المفتاح الذي يفتح كل الأبواب..
ونحن لا يجب أن نجهد أذهاننا لفهم هذه الحروف. فحياة البشر تقتضي منا في بعض الأحيان أن نضع كلمات لا معنى لها بالنسبة لغيرنا .. وأن كانت تمثل أشياء ضرورية بالنسبة لنا. تماما ككلمة السر التي تستخدمها الجيوش لا معنى لها إذا سمعتها. ولكن بالنسبة لمن وضعها يكون ثمنها الحياة أو الموت .. فخذ كلمات الله التي تفهمها بمعانيها .. وخذ الحروف التي لا تفهمها بمرادات الله فيها. فالله سبحانه وتعالى شاء أن يبقى معناها في الغيب عنده.
والقرآن الكريم لا يؤخذ على نسق واحد حتى نتنبه ونحن نتلوه أو نكتبه. لذلك تجد مثلا بسم الله الرحمن الرحيم مكتوبة بدون ألف بين الباء والسين. ومرة تجدها مكتوبة بالألف في قوله تعالى:
{اقرأ باسم ربك الذي خلق "1" } (سورة العلق)
وكلمة تبارك مرة تكتب بالألف ومرة بغير الألف .. ولو أن المسألة رتابة في كتابة القرآن لجاءت كلها على نظام واحد. ولكنها جاءت بهذه الطريقة لتكون كتابة القرآن معجزة وألفاظه معجزة.
ونحن نقول للذين يتساءلون عن الحكمة في بداية بعض السور بحروف .. نقول إن لذلك حكمة عند الله فهمناها أو لم نفهمها .. والقرآن نزل على أمة عربية فيها المؤمن والكافر .. ومع ذلك لم نسمع أحداً يطعن في الأحرف التي بدأت بها السور. وهذا دليل على أنهم فهموها بملكاتهم العربية .. ولو أنهم لم يفهموها لطعنوا فيها.
وأنا انصح من يقرأ القرآن الكريم للتعبد .. ألا يشغل نفسه بالتفكير في المعنى. أما الذي يقرأ القرآن ليستنبط منه فليقف عند اللفظ والمعنى .. فإذا قرأت القرآن لتتعبد فاقرأه بسر الله فيه .. ولو جلست تبحث عن المعنى .. تكون قد حددت معنى القرآن الكريم بمعلوماتك أنت. وتكون قد أخذت المعنى ناقصا نقص فكر البشر .. ولكن اقرأ القرآن بسر الله فيه.
إننا لو بحثنا معنى كل لفظ في القرآن الكريم فقد أخرجنا الأمي وكل من لم يدرس اللغة العربية دارسة متعمقة من قراءة القرآن. ولكنك تجد أميا لم يقرأ كلمة واحدة ومع ذلك يحفظ القرآن كله. فإذا قلت كيف؟ نقول لك بسر الله فيه.
والكلام وسيلة إفهام وفهم بين المتكلم والسامع. المتكلم هو الذي بيده البداية، والسامع يفاجأ بالكلام لأنه لا يعلم مقدما ماذا سيقول المتكلم .. وقد يكون ذهن السامع مشغولا بشي آخر .. فلا يستوعب أول الكلمات .. ولذلك قد تنبهه بحروف أو بأصوات لا مهمة لها إلا التنبيه للكلام الذي سيأتي بعدها.
وإذا كنا لا نفهم هذه الحروف. فوسائل الفهم والإعجاز في القرآن الكريم لا تنتهي، لأن القرآن كلام الله. والكلام صفة من صفات المتكلم .. ولذلك لا يستطيع فهم بشري أن يصل إلي منتهى معاني القرآن الكريم، إنما يتقرب منها. لأن كلام الله صفة من صفاته .. وصفة فيها كمال بلا نهاية.
فإذا قلت إنك قد عرفت كل معنى للقرآن الكريم .. فإنك تكون قد حددت معنى كلام الله بعلمك .. ولذلك جاءت هذه الحروف إعجاز لك. حتى تعرف إنك لا تستطيع أن تحدد معاني القرآن بعلمك..
أن عدم فهم الإنسان لأشياء لا يمنع انتفاعه بها .. فالريفي مثلا ينتفع بالكهرباء والتليفزيون وما يذاع بالقمر الصناعي وهو لا يعرف عن أي منها شيئا. فلماذا لا يكون الله تبارك وتعالى قد أعطانا هذه الحروف نأخذ فائدتها ونستفيد من أسرارها ويتنزل الله بها علينا بما أودع فيها من فضل سواء أفهم العبد المؤمن معنى هذه الحروف أو لم يفهمها.
وعطاء الله سبحانه وتعالى وحكمته فوق قدرة فهم البشر .. ولو أراد الإنسان أن يحوم بفكره وخواطره حول معاني هذه الحروف لوجد فيها كل يوم شيئا جديدا.
لقد خاض العلماء أن ذلك هو الحق المراد من هذه الحروف .. بل كل منهم يقول والله أعلم بمراده. ولذلك نجد عالما يقول (ألر) و(حم) و(ن) وهي حروف من فواتح السور تكون اسم الرحمن .. نقول إن هذا لا يمكن أن يمثل فهما عاما لحروف بداية بعض سور القرآن .. ولكن ما الذي يتعبكم أو يرهقكم في محاولة إيجاد معان لهذه الحروف؟!
لو أن الله سبحانه وتعالى الذي أنزل القرآن يريد أن يفهمنا معانيها .. لأوردها بمعنى مباشر أو أوضح لنا المعنى. فمثلا أحد العلماء يقول إن معنى (ألم) هو أنا الله اسمع وأرى .. نقول لهذا العالم لو أن الله أراد ذلك فما المانع من أن يورده بشكل مباشر لنفهمه جميعا .. لابد أن يكون هناك سر في هذه الحروف .. وهذا السر هو من أسرار الله التي يريدنا أن ننتفع بقراءتها دون أن نفهمها..
ولابد أن نعرف أنه كما أن للبصر حدوداً. وللأذن حدوداً وللمس والشم والتذوق حدوداً، فكذلك عقل الإنسان له حدود يتسع لها في المعرفة .. وحدود فوق قدرات العقل لا يصل إليها.
والإنسان حينما يقرأ القرآن والحروف الموجودة في أوائل بعض السور يقول إن هذا أمر خارج عن قدرته العقلية .. وليس ذلك حجراً أو سداً لباب الاجتهاد .. لأننا إن لم ندرك فإن علينا أن نعترف بحدود قدراتنا أمام قدرات خالقنا سبحانه وتعالى التي هي بلا حدود.
وفي الإيمان هناك ما يمكن فهمه وما لا يمكن فهمه .. فتحريم أكل لحم الخنزير أو شرب الخمر لا ننتظر حتى نعرف حكمته لنمتنع عنه. ولكننا نمتنع عنه بإيمان أنه مادام الله قد حرمه فقد أصبح حراما.
ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما عرفتم من محكمه فاعملوا به، وما لم تدركوا فآمنوا به" {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب "7" } (سورة آل عمران)
إذن فعدم فهمنا للمتشابه لا يمنع أن نستفيد من سر وضعه الله في كتابه .. ونحن نستفيد من أسرار الله في كتابه فهمناها أم لم نفهمها.
الشيخ الطبيب الإدارة
برجك الروحانى : عدد الرسائل : 899 العمر : 41 من أى دولة : مصر السٌّمعَة : -1 نقاط : 1769 تاريخ التسجيل : 28/05/2007
موضوع: رد: خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى ( تفسير الشعراوى ) الأحد 20 فبراير - 15:38
سورة البقرة
(ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين "2")
في الآية الثانية من سورة البقرة وصف الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم بأنه الكتاب. وكلمة (قرآن) معناها أنه يقرأ، وكلمة (كتاب) معناها أنه لا يحفظ فقط في الصدور، ولكن يدون في السطور، ويبقى محفوظاً إلي يوم القيامة، والقول بأنه الكتاب، تمييز له عن كل كتب الدنيا، وتمييز له عن كل الكتب السماوية التي نزلت قبل ذلك، فالقرآن هو الكتاب الجامع لكل أحكام السماء، منذ بداية الرسالات حتى يوم القيامة، وهذا تأكيد لارتفاع شأن القرآن وتفرده وسماويته ودليل على وحدانية الخالق، فمنذ فجر التاريخ، نزلت على الأمم السابقة كتب تحمل منهج السماء، ولكن كل كتاب وكل رسالة نزلت موقوتة، في زمانها ومكانها، تؤدي مهمتها لفترة محددة وتجاه قوم محددين.
فرسالة نوح عليه السلام كانت لقومه، وكذلك إبراهيم ولوط وشعيب وصالح عليهم السلام .. كل هذه رسالات كان لها وقت محدود، تمارس مهمتها في الحياة، حتى يأتي الكتاب وهو القرآن الكريم الجامع لمنهج الله سبحانه وتعالى. ولذلك بشر في الكتب السماوية التي نزلت قبل بعثة محمد عليه الصلاة والسلام بأن هناك رسولا سيأتي، وأنه يحمل الرسالة الخاتمة للعالم، وعلى كل الذين يصدقون بمنهج السماء أن يتبعوه .. وفي ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى:
{الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل} (من الآية 157 سورة الأعراف)
والقرآن هو الكتاب، لأنه لن يصل إليه أي تحريف أو تبديل، فرسالات السماء السابقة ائتمن الله البشر عليها، فنسوا بعضها، وما لم ينسوه حرفوه، وأضافوا إليه من كلام البشر، ما نسبوه إلي الله سبحانه وتعالى ظلما وبهتانا، ولكن القرآن الكريم محفوظ من الخالق الأعلى، مصداقاً لقوله تعالى:
{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون "9"} (سورة الحجر)
ومعنى ذلك ألا يرتاب إنسان في هذا الكتاب، لأن كل ما فيه من منهج الله محفوظ منذ لحظة نزوله إلي قيام الساعة بقدرة الله سبحانه وتعالى.
يقول الحق جل جلاله: "لا ريب فيه هدى للمتقين".
والإعجاز الموجود في القرآن الكريم في الأسلوب وفي حقائق القرآن وفي الآيات وفيما روى لنا من قصص الأنبياء السابقين، وفيما صحح من التوراة والإنجيل، وفيما أتى به من علم لم تكن تعلمه البشرية ولازالت حتى الآن لا تعلمه، كل ذلك يجعل القرآن لا ريب فيه، لأنه لو اجتمعت الإنس وداعى ما استطاعوا أن يأتوا بآية واحدة من آيات القرآن، ولذلك كلما تأملت في القرآن وفي أسلوبه، وجدنا أنه بحق لا ريب فيه، لأنه لا أحد يستطيع أن يأتي بآية، فما بالك بالقرآن.
فهذا الكتاب ارتفع فوق كل الكتب، وفوق مدارك البشر، يوضح آيات الكون، وآيات المنهج، وله في كل عصر معجزات. إن كلمة الكتاب التي وصف الله سبحانه وتعالى بها القرآن تمييزا له عن كل الكتب السابقة، تلفتنا إلي معان كثيرة، تحدد لنا بعض أساسيات المنهج التي جاء هذا الكتاب ليبلغنا بها.
وأول هذه الأساسيات، أن نزول هذا الكتاب، يستوجب الحمد لله سبحانه وتعالى. واقرأ في سورة الكهف:
{الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا"1" قيماً لينذر بأساً شديداً من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً حسناً "2"} (سورة الكهف)
ويلفت الله سبحانه وتعالى عباده إلي أن إنزاله القرآن على رسوله صلى الله عليه وسلم يستوجب الحمد من البشر جميعا، لأن فيه منهج السماء، وفيه الرحمة من الله لعباده، وفيه البشارة بداعىة والطريق إليها، وفيه التحذير من النار وما يقود إليها، وهذا التحذير أو الإنذار هو رحمة من الله تعالى لخلقه. لأنه لو لم ينذرهم لفعلوا ما يستوجب العذاب، ويجعلهم يخلدون في عذاب أليم. ولكن الكتاب الذي جاء ليلفتهم إلي ما يغضب الله، حتى يتجنبوه، إنما جاء برحمة تستوجب الحمد، لأنها أرتنا جميعاً، الطريق إلي النجاة من النار، ولو لم ينزل الله سبحانه وتعالى الكتاب، ما عرف الناس المنهج الذي يقودهم إلي داعىة، وما استحق أحد منهم رضا الله ونعيمه في الآخرة.
وفي سورة الكهف، نجد تأكيداً آخر .. أن كتاب الله، وهو القرآن الكريم لن يستطيع بشر أن يبدل منه كلمة واحدة، واقرأ قوله جل جلاله:
{واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحداً "27" } (سورة الكهف)
ويبين الله سبحانه وتعالى لنا أن هذا الكتاب، جاء لنفع الناس، ولنفع العباد، وأن الله ليس محتاجاً لخلقه، فهو قادر على أن يقهر من يشاء على الطاعة، ولا يمكن لخلق من خلق الله أن يخرج من كون الله عن مرادات الله، واقرأ قوله سبحانه وتعالى:
{طسم"1" تلك آيات الكتاب المبين "2" لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين "3" إن تشاء ننزل عليهم من السماء آيةً فظلت أعناقهم لها خاضعين "4" } (سورة الشعراء)
ويأتي الله سبحانه وتعالى بالقسم الذي يلفتنا إلي أن كل كلمة من القرآن هي من عند الله، كما ابلغها جبريل عليه السلام لمحمد صلى الله عليه وسلم في قوله سبحانه:
{فلا أقسم بمواقع النجوم "57" وإنه لقسم لو تعلمون عظيم "76" إنه لقرآن كريم "77" في كتاب مكنونٍ "78" لا يمسه إلا المطهرون "79" تنزيل من رب العالمين "80"} (سورة الواقعة)
**** يتبع بعون الرحمن ****
الشيخ الطبيب الإدارة
برجك الروحانى : عدد الرسائل : 899 العمر : 41 من أى دولة : مصر السٌّمعَة : -1 نقاط : 1769 تاريخ التسجيل : 28/05/2007
موضوع: رد: خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى ( تفسير الشعراوى ) الأحد 20 فبراير - 15:38
سورة البقرة ( تابع )
(ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين "2")
ثم يلفتنا الحق سبحانه وتعالى إلي ذلك الكتاب الذي هو منهج للإنسان على الأرض، فبعد أن بين لنا جل جلاله، بما لا يدع مجالا للشك أن الكتاب منزل من عنده، وأنه يصحح الكتب السابقة كالتوراة، والإنجيل والتي أئتمن الله عليها البشر، فحرفوها وبدلوها، وهذا التحريف أبطل مهمة المنهج الإلهي بالنسبة لهذه الكتب، فجاء الكتاب الذي لم يصل إليه تحريف ولا تبديل، ليبقى منهجاً لله، إلي أن تقوم الساعة.
أول ما جاء به هذا الكتاب هو إيمان القمة، بأنه لا إله إلا الله الواحد الأحد .. والله سبحانه وتعالى يقول:
{آلم "1" الله لا إله إلا هو الحي القيوم "2" نزل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل "3"} (سورة آل عمران)
وهكذا نعرف أن الكتاب نزل ليؤكد لنا، أن الله واحد أحد، لا شريك له، وأن القرآن يشتمل على كل ما تضمنته الشرائع السماوية من توراة وإنجيل، وغيرها من الكتب. فالقرآن نزل ليفرق بين الحق الذي جاءت به الكتب السابقة، وبين الباطل الذي أضافه أولئك الذي ائتمنوا عليها.
ثم يحدد الحق تبارك وتعالى لنا مهمتنا في أن هذا الكتاب مطلوب أن نبلغه للناس جميعاً، واقرأ قوله سبحانه:
{المص "1" كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين "2"} (سورة الأعراف))
فالخطاب هنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن القرآن الكريم، يتضمن خطابا لأمته جميعاً، فالرسول صلى الله عليه وسلم كلف بأن يبلغ الكتاب للناس، ونحن مكلفون بأن نتبع المنهج نفسه ونبلغ ما جاء في القرآن للناس حتى يكون الحساب عدلا، وأنهم قد بلغوا منهج الله، ثم كفروا به أو تركوه، إذن فإبلاغ الكتاب من المهمات الأساسية التي حددها الله سبحانه وتعالى بالنسبة للقرآن.
والكتاب فيه رد على حجج الكفار وأباطيلهم. واقرأ قول الله تبارك وتعالى:
{الرا تلك آيات الكتاب الحكيم "1" أكان للناس عجباً أن أوحينا إلي رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدقٍ عند ربهم قال الكافرون إن هذا لساحر مبين "2" } (سورة يونس)
وفي هذه الآيات الكريمة، يلفتنا الله سبحانه وتعالى إلي حقيقتين .. الحقيقة الأول هي أن الكفار يتخذون من بشرية الرسول حجة بأن هذا الكتاب ليس من عند الله. وكان الرد هو: أن كل الرسل السابقين كانوا بشراً، فما هو العجب في أن يكوم محمد صلى الله عليه وسلم رسولاً بشراً. واللفتة الثانية هي أن هذا القرآن مكتوب بالحروف نفسها التي خلقها الله لنا لنكتب بها، ومع ذلك فإن القرآن الكريم نزل مستخدماً لهذه الحروف التي يعرفها الناس جميعاً، معجزاً في ألا يستطيع الإنس وداعى، مجتمعين أن يأتوا بسورة واحدة منه. ثم يلفتنا الحق سبحانه وتعلى لفتة أخرى إلي أن هذا الكتاب محكم الآيات، ثم بينه الله لعباده، واقرأ قوله جل جلاله في سورة هود:
{آلر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبيرٍ "1" ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير "2"} (سورة هود)
هذه هي بعض الآيات في القرآن الكريم، التي أراد الله سبحانه وتعالى أن يلفتنا فيها إلي معنى الكتاب، فآياته من عند الله الحكيم الخبير، وكل آية فيها إعجاز متحدي به الإنس وداعى، وهذا الكتاب لابد أن يبلغ للناس جميعاً، فالكتاب ينذرهم ألا يعبدوا إلا الله، ليكون الحساب عدلا في الآخرة، فمن أنذر وأطاع كان له داعىة، ومن عصى كانت له النار والعياذ بالله.
ثم يلفتنا الله إلي أن هذا الكتاب فيه قصص الأنبياء السابقين منذ آدم عليه السلام، يقول جل جلاله:
{آلر تلك آيات الكتاب المبين "1" إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون "2" نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين "3" } (سورة يوسف)
وهكذا نجد أن القرآن الكريم، قد جاء ليقص علينا أحسن القصص بالنسبة للأنبياء السابقين، والأحداث التي وقعت في الماضي، ولم يأت القرآن بهذه القصص للتسلية أو للترفيه، وإنما جاء بها للموعظة ولتكون عبرة إيمانية، ذلك أن القصص القرآني يتكرر في كل زمان ومكان. ففرعون هو كل حاكم طغى في الأرض، ونصب نفسه إلها، وقارون هو كل من أنعم الله عليه فنسب النعمة إلي نفسه، وتكبر وعصى الله، وقصة يوسف هي قصة كل أخوة حقدوا على أخ لهم، وتآمروا عليه، وأهل الكهف هم كل فتية آمنوا بربهم، فنشر الله لهم من رحمته في الدنيا والآخرة، ما عدا قصة واحدة هي قصة مريم وعيسى عليهما السلام، فهي معجزة لن تتكرر ولذلك عرف الله سبحانه وتعالى أبطالها، فقال عيسى بن مريم وقال مريم ابنة عمران.
والكتاب الذي أنزله الله سبحانه وتعالى فيه لفتة إلي آيات الله في كونه. واقرأ قوله تعالى:
{آلمر تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحق ولكن أكثر الناس لا يؤمنون "1" الله الذي رفع السماوات بغير عمدٍ ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون "2"} (سورة الرعد)
الشيخ الطبيب الإدارة
برجك الروحانى : عدد الرسائل : 899 العمر : 41 من أى دولة : مصر السٌّمعَة : -1 نقاط : 1769 تاريخ التسجيل : 28/05/2007
موضوع: رد: خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى ( تفسير الشعراوى ) الأحد 20 فبراير - 15:39
سورة البقرة ( تابع )
(ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين "2")
وهكذا بين لنا الله في الكتاب آياته في الكون ولفتنا إليها، فالسماء مرفوعة بغير عمد نراها، والشمس والقمر مسخران لخدمة الإنسان، وهذه كلها آيات لا يستطيع أحد من خلق الله أن يدعها لنفسه أو لغيره، فلا يوجد، حتى يوم القيامة من يستطيع أن يدعي أنه رفع السماء بغير عمد، أو أنه خلق الشمس والقمر وسخرهما لخدمة الإنسان. ولو تدبر الناس في آيات الكون لآمنوا ولكنهم في غفلة عن هذه الآيات. ثم يحدد الحق سبحانه وتعالى مهمة هذا الكتاب وكيف أنه رحمة للناس جميعاً، فيقول جل جلاله:
{آلر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلي النور بإذن ربهم إلي صراط العزيز الحميد "1" الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وويل للكافرين من عذابٍ شديدٍ "2"} (سورة إبراهيم)
أي أن مهمة هذا الكتاب هي أن يخرج الناس من ظلمات الجهل والكفر والشرك إلي نور الإيمان، لأن كل كافر مشرك تحيط به ظلمات، يرى الآيات فلا يبصرها، ويعرف أن هناك حسابا وآخرة ولكنه ينكرهما، ولا يرى إلا الحياة الدنيا القصيرة غير المأمونة في كل شيء، في العمر والرزق والمتعة، ولو تطلع إلي نور الإيمان، لرأى الآخرة وما فيها من نعيم أبدي ولعمل من أجلها، ولكن لأنه تحيط به الظلمات لا يرى .. والطريق لأن يرى هو هذا الكتاب، القرآن الكريم لأنه يخرج الناس إذا قرأوه من ظلمات الجهل والكفر إلي نور الحقيقة واليقين. وبين الحق سبحانه وتعالى أن الذين يتلفتون إلي الدنيا وحدها، هم كالأنعام التي تأكل وتشرب، بل أن الأنعام أفضل منهم، لأن الأنعام تقوم بمهمتها في الحياة، بينما هم لا يقومون بمهمة العبادة، فيقول الحق تبارك وتعالى:
{آلر تلك الكتاب وقرآن مبين "1" ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين "2" ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون "3"} (سورة الحجر)
هكذا يخبرنا الحق أن آيات كتابه الكريم ومنهجه لا تؤخذ بالتمني، ولكن لابد أن يعمل بها، وأن الذين كفروا في تمتعهم بالحياة الدنيا لا يرتفعون فوق مرتبة الأنعام، وأنهم يتعلقون بأمل كاذب في أن النعيم في الدنيا فقط، ولكن الحقيقة غير ذلك وسوف يعلمون. وهكذا بعد أن تعرضنا بإيجاز لبعض الآيات التي ورد فيها ذكر الكتاب أنه كتاب يبصرنا بقضية القمة في العقيدة وهي أنه لا إله إلا الله وأن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، وهو بهذا يخرج الناس من الظلمات إلي النور. وأن يلفتهم إلي آيات الكون .. وأن يعرفوا أن هناك آخرة ونعيماً أبدياً وشقاء أبدياً، وأن يقيم الدليل والحجة على الكافرين، وأن قوله تعالى: "ذلك الكتاب" يحمل معنى التفوق الكامل الشامل على كل ما سبقه من كتب. وأنه سيظل كذلك حتى قيام الساعة ولذلك وصفه الحق تبارك وتعالى بأنه "كتاب" ليكون دليلا على الكمال. ولابد أن نعرف أن ذلك ليست كلمة واحدة .. وإنما هي ثلاث كلمات .. "ذا" اسم أشارة .. "واللام" تدل على الابتعاد ورفعة شأن القرآن الكريم، و"ك" لمخاطبة الناس جميعا بأن القرآن الكريم له عمومية الرسالة إلي يوم القيامة. ونحن عندما نقرأ سورة البقرة نستطيع أن نقرأ آيتها الثانية بطريقتين .. الطريقة الأولى أن نقول "ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه" ثم نصمت قليلا ونضيف: "هدى للمتقين" والطريقة الثانية أن نقول: "ألم ذلك الكتاب لا ريب" ثم نصمت قليلا ونضيف: فيه هدى للمتقين" وكلتا الطريقتين توضح لنا معنى لا ريب أي لا شك .. أو نفي للشك وجزم مطلق أنه كتاب حكيم منزل من الخالق الأعلى. وحتى نفهم المنطلق الذي نأخذ منه قضايا الدين، والتي سيكون دستورنا في الحياة، فلابد أن نعرف ما هو الهدى ومن هم المتقون؟ الهدى هو الدلالة على طريق يوصلك إلي ما تطلبه. فالإشارة التي تدل المسافر على الطريق هي هدى له لأنها تبين له الطريق الذي يوصله إلي المكان الذي يقصده .. والهدى يتطلب هاديا ومهديا وغاية تريد أن تحققه. فإذا لم يكن هناك غاية أو هدف فلا معنى لوجود الهدى لأنك لا تريد أن تصل إلي شيء .. وبالتالي لا تريد من أحد أن يدلك على طريق. إذن لابد أن نوجد الغاية أولا ثم نبحث عمن يوصلنا إليها. وهنا نتساءل من الذي يحدد الهدف ويحدد لك الطريق للوصول إليه؟ إذا أخذنا بواقع حياة الناس فإن الذي يحدد لك الهدف لابد أن تكون واثقا من حكمته .. والذي يحدد لك الطريق لابد أن يكون له من العلم ما يستطيع به أن يدلك على أقصر الطرق لتصل إلي ما تريد. فإذا نظرنا إلي الناس في الدنيا نجد أنهم يحددون مطلوبات حياتهم ويحددون الطريق الذي يحقق هذه المطلوبات .. فالذي يريد أن يبني بيتا مثلا يأتي بمهندس يضع له الرسم، ولكن الرسم قد يكون قاصرا على أن يحقق الغاية المطلوبة فيظل يغير ويبدل فيه. ثم يأتي مهندس على مستوى أعلى فيضع تصوراً جديداً للمسألة كلها .. وهكذا يكون الهدف متغيرا وليس ثابتا. وعند التنفيذ قد لا توجد المواد المطلوبة فنغير ونبدل لنأتي بغيرها ثم فوق ذلك كله قد تأتي قوة أعلى فتوقف التنفيذ أو تمنعه. إذن فأهداف الناس متغيرة تحكمها ظروف حياتهم وقدراتهم .. والغايات التي يطلبونها لا تتحقق لقصور علم البشر وإمكاناته. إذن فكلنا يحتاجون إلي كامل العلم والحكمة ليرسم لنا طريق حياتنا .. وأن يكون قادرا على كل شيء، ومالكا لكل شيء، والكون خاضع لإرادته حتى نعرف يقينا أن ما نريده سيتحقق، وأن الطريق الذي سنسلكه سيوصلنا إلي ما نريده. وينبهنا الله سبحانه وتعالى إلي هذه القضية فيقول:
{قل إن هدى الله هو الهدى } (من الآية 120سورة البقرة)
إن الله يريد أن يلفت خلقه إلي أنهم إذا أرادوا أن يصلوا إلي الهدف الثابت الذي لا يتغير فيأخذوه عن الله. وإذا أرادوا أن يتبعوا الطريق الذي لا توجد فيه أي عقبات أو متغيرات .. فليأخذوا طريقهم عن الله تبارك وتعالى .. إنك إذا أردت باقيا .. فخذ من الباقي، وإذا أردت ثابتا .. فخذ من الثابت. ولذلك كانت قوانين البشر في تحديد أهدافهم في الحياة وطريقة الوصول إليها قاصرة .. علمت أشياء وغابت عنها أشياء .. ومن هنا فهي تتغير وتتبدل كل فترة من الزمان. ذلك أن من وضع القوانين من البشر له هدف يريد أن يحققه، ولكن الله جل جلاله لا هوى له .. فإذا أردت أن تحقق سعادة في حياتك، وأن تعيش آمنا مطمئنا .. فخذ الهدف عن الله، وخذ الطريق عن الله. فإن ذلك ينجيك من قلق متغيرات الحياة التي تتغير وتتبدل. والله قد حدد لخلقه ولكل ما في كونه أقصر طريق لبلوغ الكون سعادته. والذي لا يأخذون هذا الطريق يتعبون أنفسهم ويتعبون مجتمعهم ولا يحققون شيئا. إذن فالهدف يحققه الله لك، والطريق يبينه الله لك .. وما عليك إلا أن تجعل مراداتك في الحياة خاضعة لما يريده الله. ويقول الله سبحانه وتعالى: "هدى للمتقين" .. ما معنى المتقين؟ متقين جمع متق. والاتقاء من الوقاية .. والوقاية من الاحتراس والبعد عن الشر .. لذلك يقول الحق تبارك وتعالى:
{يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة } (من الآية 6 سورة التحريم)
**** يتبع بعون الرحمن ****
الشيخ الطبيب الإدارة
برجك الروحانى : عدد الرسائل : 899 العمر : 41 من أى دولة : مصر السٌّمعَة : -1 نقاط : 1769 تاريخ التسجيل : 28/05/2007
موضوع: رد: خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى ( تفسير الشعراوى ) الأحد 20 فبراير - 15:40
سورة البقرة ( تابع )
(ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين "2")
ويقول الله سبحانه وتعالى: "هدى للمتقين" .. ما معنى المتقين؟ متقين جمع متق. والاتقاء من الوقاية .. والوقاية من الاحتراس والبعد عن الشر .. لذلك يقول الحق تبارك وتعالى:
{يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة } (من الآية 6 سورة التحريم)
أي اعملوا بينكم وبين النار وقاية. احترسوا من أن تقعوا فيها .. ومن عجيب أمر هذه التقوى أنك تجد الحق سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم ـ والقرآن كله كلام الله ـ "اتقوا الله" ويقول: "اتقوا النار". كيف نأخذ سلوكا واحدا تجاه الحق سبحانه وتعالى وتجاه النار التي سيعذب فيها الكافرون؟! الله تعالى يقول: "اتقوا النار". أي لا تفعلوا ما يغضب الله حتى لا تعذبوا في النار .. فكأنك قد جعلت بينك وبين النار وقاية بأن تركت المعاصي وفعلت الخير.
وقول تعالى: "اتقوا الله" كيف نتقيه بينما نحن نطلب من الله كل النعم وكل الخير دائما. كيف يمكن أن يتم هذا؟ وكيف نتقي من نحب؟ نقول أن لله سبحانه وتعالى صفات جلال وصفات جمال .. صفات الجلال تجدها في القهار والجبار والمذل .. والمنتقم. والضار. كل هذا من متعلقات صفات الجلال .. بل إن النار من متعلقات صفات الجلال. أما صفات الجمال فهي الغفار والرحيم وكل الصفات التي تتنزل بها رحمات الله وعطاءاته على خلقه. فإذا كنت تقي نفسك من النار ـ وهي من متعلقات صفات الجلال ـ لابد أن تقي نفسك من صفات الجلال كلها. لأنه قد يكون من متعلقاتها ما أشد عذابا وإيلاما من النار .. فكأن الحق سبحانه وتعالى حين يقول: "اتقوا النار". و:"اتقوا الله" يعني أن نتقي غضب الله الذي يؤدي بنا إلي أن نتقي كل صفات جلاله .. ونجعل بيننا وبينها وقاية. فمن اتقى صفات جلال الله أخذ صفات جماله ..
ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كانت آخر ليلة من رمضان تجلى الجبار بالمغفرة
وكان المنطق يقتضي أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (تجلى الرحمن بالمغفرة) ولكن مادامت هناك ذنوب، فالمقام لصفة الجبار الذي يعذب خلقه بذنوبهم. فكأن صفة الغفار تشفع عند صفة الجبار .. وصفة الجبار مقامها للعاصين، فتأتي صفة الغفار لتشفع عندها، فيغفر الله للعاصين ذنوبهم، وجمال المقابلة هنا حينما يتجلى الجبار بجبروته بالمغفرة فساعة تأتي كلمة جبار .. يشعر الإنسان بالفزع والخوف والرعب. لكن عندما تسمع (تجلى الجبار بالمغفرة) فإن السعادة تدخل إلي قلبك. لأنك تعرف أن صاحب العقوبة وهو قادر عليها قد غفر لك. والنار ليست آمرة ولا فاعلة بذاتها ولكنها مأمورة. إذن فاستعذ منها بالآمر أو بصفات الجمال في الآمر.
يقول الحق سبحانه وتعالى "هدى للمتقين" ولقد قلنا أن الهدى هدى الله .. لأنه هو الذي حدد الغاية من الخلق ودلنا على الطريق الموصل إليها. فكون الله هو الذي حدد المطلوب ودلنا على الطريق إليه فهذه قمة النعمة .. لأنه لم يترك لنا أن نحدد غايتنا ولا الطريق إليها. فرحمنا بذلك مما سنتعرض له من شقاء في أن نخطئ ونصيب بسبب علمنا القاصر، فنشقى وندخل في تجارب، ونمشي في طرق ثم نكتشف أننا قد ضللنا الطريق فنتجه إلي طريق آخر فيكون أضل وأشقى. وهكذا نتخبط دون أن نصل إلي شيء .. وأراد سبحانه أن يجنبا هذا كله فأنزل القرآن الكريم .. كتاب فيه هداية للناس وفيه دلالة على أقصر الطرق لكي نتقي عذاب الله وغضبه.
والله سبحانه وتعالى قال: "هدى للمتقين" أي أن هذا القرآن هدى للجميع .. فالذي يريد أن يتقي عذاب الله وغضبه يجد فيه الطريق الذي يحدد له هذه الغاية .. فالهدى من الحق تبارك وتعالى للناس جميعا. ثم خص من آمن به بهدى آخر، وهو أن يعينه على الطاعة. إذن فهناك هدى من الله لكل خلقه وهو أن يدلهم سبحانه وتعالى ويبين لهم الطريق المستقيم. هذا هو هدى الدلالة، وهو أن يدل الله خلقه جميعا على الطريق إلي طاعته وجنته. واقرأ قوله تبارك وتعالى:
{وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى } (من الآية 17سورة فصلت)
إذن الحق سبحانه وتعالى دلهم على طريق الهداية .. ولكنهم أحبوا طريق الغواية والمعصية واتبعوه .. هذه هداية الدلالة .. أما هداية المعونة ففي قوله سبحانه:
وهذه هي دلالة المعونة .. وهي لا تحق إلا لمن آمن بالله واتبع منهجه وأقبل على هداية الدلالة وعمل بها .. والله سبحانه وتعالى لا يعين من يرفض هداية الدلالة، بل يتركه يضل ويشقى .. ونحن حين نقرأ القرآن الكريم نجد أن الله تبارك وتعالى: يقول لنبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم:
{إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء } (من الآية 56 سورة القصص)
وهكذا نفى الله سبحانه وتعالى عن رسوله صلى الله عليه وسلم أن يكون هاديا لمن أحب .. ولكن الحق يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم:
{وإنك لتهدي إلي صراطٍ مستقيمٍ } (من الآية 52 سورة الشورى)
فكيف يأتي هذا الاختلاف مع أن القائل هو الله. نقول: عندما تسمع هذه الآيات اعلم أن الجهة منفكة .. يعني ما نفى غير ما أثبت .. ففي غزوة بدر مثلا أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حفنة من الحصى قذفها في وجه جيش قريش. يأتي القرآن إلي هذه الواقعة فيقول الحق سبحانه:
{وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} (من الآية 17 سورة الأنفال) نفي للحديث وإثباته في نفس الآية .. كيف رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. مع أن الله تبارك وتعالى قال: "وما رميت"؟! نقول إنه في هذه الآية الجهة منفكة. الذي رمى هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الذي أوصل الحصى إلي كل جيش قريش لتصيب كل مقاتل فيهم هي قدرة الله سبحانه وتعالى. فما كان لرمية رسول الله صلى الله عليه وسلم حفنة من الحصى يصيب كل جندي في الجيش.
أما قول الحق سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: "وإنك لتهدي إلي صراط مستقيم". فهي هداية دلالة. أي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبليغه للقرآن وبيانه لمنهج الله قد دل الناس كل الناس على الطريق المستقيم وبينه لهم. وقوله تبارك وتعالى: "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء" .. أي إنك لا توصل الهداية إلي القلوب لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يهدي القلوب ويزيدها هدى وإيمانا. ولذلك أطلقها الله تبارك وتعالى قضية إيمانية عامة في قوله: "قل أن الهدى هدى الله" فالقرآن الكريم يحمل هداية الدلالة للذين يريدون أن يجعلوا بينهم وبين غضب الله وعذابه وقاية.
الشيخ الطبيب الإدارة
برجك الروحانى : عدد الرسائل : 899 العمر : 41 من أى دولة : مصر السٌّمعَة : -1 نقاط : 1769 تاريخ التسجيل : 28/05/2007
موضوع: رد: خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى ( تفسير الشعراوى ) الأحد 20 فبراير - 15:40
سورة البقرة
(الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون "3")
بعد أن بين الله سبحانه وتعالى لنا أن هذا الكتاب ـ وهو القرآن الكريم ـ "هدى للمتقين" .. أي أن فيه المنهج والطريق لكل من يريد أن يجعل بينه وبين غضب الله وقاية .. أراد أن يعرفنا صفات هؤلاء المتقين ومن هم .. وأول صفة هي قوله تعالى: "الذين يؤمنون بالغيب".. ما هو الغيب الذي جعله الله أول مرتبة في الهدى .. وفي الوقاية من النار ومن غضب الله؟..
الغيب هو كل ما غاب عن مدركات الحس. فالأشياء المحسة التي نراها ونلمسها لا يختلف فيها أحد .. ولذلك يقال ليس مع العين أين .. لأن ما تراه لا تريد عليه دليلا .. ولكن الغيب لا تدركه الحواس .. إنما يدرك بغيرها..
ومن الدلالة على دقة التعريف أنهم قالوا أن هناك خمس حواس ظاهرة هي: السمع والبصر والشم والذوق واللمس .. ولكن هناك أشياء تدرك بغير هذه الحواس.. لنفرض أن أمامنا حقيبتين، نفس الشكل ونفس الحجم .. هل تستطيع بحواسك الظاهرة أن تدرك أيهما أثقل من الأخرى؟. هل تستطيع الحواس الخمس أن تقول لك أي الحقيبتين أثقل؟ .. لا .. لابد أن تحمل واحدة منهما ثم تحمل الأخرى لتعرف أيهما أثقل.. بأي شيء أدركت هذا الثقل؟ .. بحاسة العضل .. لأن عضلاتك أجهدت عندما حملت إحدى الحقيبتين، ولم تجهد عندما حملت الثانية .. فعرفت بالدقة أيهما أثقل .. لا تقل باللمس .. لأنك لو لمست إحداهما ثم لمست الأخرى لا تعرف أيها أثقل .. إذن فهناك حاسة العضل التي تقيس بها ثقل الأشياء..
ولنفرض أنك دخلت محلا لبيع القماش، وأمامك نوعان من قماش واحد .. ولكن أحدهما أرق من الآخر .. بمجرد أن تضع القماشين بين أناملك تدرك أن أحدهما رقيق والآخر أكثر سمكا .. بأي حاسة أدركت هذا؟ ليس بحاسة اللمس ولكن بحاسة البينة وحكمها لا يخطئ..
وعندما تشعر بالجوع .. بأي حاسة أدركت أنك جوعان؟ .. ليس بالحواس الظاهرة .. وكذلك عندما تظمأ .. ما هي الحاسة التي أدركت بها أنك محتاج إلي الماء .. وعندما تكون نائما .. أي حاسة تلك التي توقظك من النوم .. لا أحد يعرف..
إذن هناك ملكات في النفس وهي الحواس الظاهرة .. وهناك ادراكات في النفس .. وهي حواس لا يعلمها إلا خالقها .. لذلك عندما يأتي العلماء ليضعوا تعريفا للنفس البشرية نقول لهم: ماذا تعرفون عن هذه النفس؟! .. أنكم لا تعلمون إلا ظاهرا من الحياة الدنيا .. ولكن هناك أشياء داخل النفس لا تعرفونها .. هناك ادراكات لا يعلم عنها الإنسان شيئا، وهي ادراكات كثيرة ومتعددة .. لذلك يخطئ من يقول إن ما لا يدرك بالحواس البشرية الظاهرة هو غيب .. لأن هناك ملكات وادراكات متعددة تعمل بغير علم منا. لو أعطى لطالب تمرين هندسي فحله وأتى بالجواب .. هل نقول أنه علم غيبا؟ .. لأن حل التمرين كان غيبا عنه ثم وصل إليه .. لا .. لأن هناك مقدمات وقوانين أوصلته إلي هذا الحل .. والغيب بلا مقدمات ولا قوانين تؤدي إليه، وهل عندما تعلن الأرصاد الجوية أن غدا يوم مطير شديد الرياح .. أتكون قد علمت غيبا؟ .. لا .. لأنها أخذت المقدمات ووصلت بها إلي نتائج وهذا ليس غيباً.. وإذا جاء أحد من الدجالين وقال لك أن ما سرق منك عند فلان .. أيكون قد علم الغيب؟ .. لا .. لأنه يشترط في الغيب ألا يكون معلوما لمثلك .. وما سرق منك معلوم لمثلك .. فالسارق والذي بيعت له المسروقات يعرفان من الذي سرق، وما الذي حدث .. والشرطة تستطيع بالمقدمات والبصمات والبحث أن تصل إلي السارق ومن اشترى المسروقات .. وإذا جاءك دجال من الذين يسخرون داعى .. والمعروف أن داعى مستور عنا يمتاز بخفة الحركة وسرعتها .. والله سبحانه وتعالى يقول عن الشيطان:
{إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم } (من الآية 27 سورة الأعراف)
فقد يكون هذا المستعان به من داعى قد رأى شيئا .. أو انتقل من مكان إلي آخر .. فيعرف شيئا لا تعرفه أنت .. هذا لا يكون غيباً لأنك جهلته، ولكن غيرك يعلمه بقوانينه التي خلقها الله له .. والعلماء الذين يكتشفون أسرار الكون .. أيقال إنهم أطلعوا على الغيب؟ .. لا .. لأن هؤلاء العلماء اكتشفوا موجوداً له مقدمات فوصلوا إلي هذه النتائج فهو ليس غيبا.
ولكن ما هو الغيب؟.. هو الشيء الذي ليس له مقدمات ولا يمكن أن يصل إليه علم خلق من خلق الله حتى الملائكة .. واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى حينما علم آدم الأسماء كلها وعرضها على الملائكة قال جل جلاله:
{وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين "31" قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم "32" قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون "33" } (سورة البقرة)
وداعى أيضا لا يعلم الغيب .. ولذلك عندما مات سليمان عليه السلام .. وكان الله سبحانه وتعالى قد سخر له الجن لم تعلم داعى بموته إلا عندما أكلت دابة الأرض عصاه .. واقرأ قوله تبارك وتعالى:
{فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت داعى أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين "14"} (سورة سبأ)
*** يتبع بعون الرحمن ***
الشيخ الطبيب الإدارة
برجك الروحانى : عدد الرسائل : 899 العمر : 41 من أى دولة : مصر السٌّمعَة : -1 نقاط : 1769 تاريخ التسجيل : 28/05/2007
موضوع: رد: خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى ( تفسير الشعراوى ) الأحد 20 فبراير - 15:41
إذن فالغيب هو ما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى .. واقرأ قول الحق جل جلاله:
{عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحد "26" إلا من أرتضى من رسولٍ فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً "27" } (سورة داعى)
وهكذا فإن الرسل لا يعلمون الغيب .. ولكن الله سبحانه وتعالى يعلمهم بما يشاء من الغيب ويكون هذا معجزة لهم ولمن اتبعوهم.
وقمة الغيب هي الإيمان بالله سبحانه وتعالى .. والإيمان بملائكته وكتبه ورسله والإيمان باليوم الآخر .. كل هذه أمور غيبية، وحينما يخبرنا الله تبارك وتعالى عن ملائكته ونحن لا نراهم .. نقول مادام الله قد أخبرنا بهم فنحن نؤمن بوجودهم .. وإذا أخبرنا الحق سبحانه وتعالى عن اليوم الآخر .. فمادام الله قد أخبرنا فنحن نؤمن باليوم الآخر .. لأن الذي أخبرنا به هو الله جل جلاله .. آمنت به أنه إله .. واستخدمت في هذا الإيمان الدليل العقلي الذي جعلني أؤمن بأن لهذا الكون إلهاً وخالقاً .. وما يأتيني عن الله حيثية الإيمان به أن الله سبحانه وتعالى هو القائل.
ولابد أن نعرف أن وجود الشيء مختلف تماما عن إدراك هذا الشيء .. فأنت لك روح في جسدك تهبك الحياة .. أرأيتها؟ .. أسمعتها؟ .. أذقتها؟ .. أشممتها؟ .. ألمستها؟ .. الجواب طبعا لا .. فبأي وسيلة من وسائل الإدراك تدرك أن لك روحا في جسدك؟ بأثرها في إحياء الجسد.. إذن فقد عرفت الروح بأثرها، والروح مخلوق لله .. فكيف تريد وأنت عاجز أن تدرك مخلوقا في جسدك وذاتك وهو الروح بآثارها .. أن تدرك الله سبحانه وتعالى بحواسك.
ونحن إذا آمنا بالقمة الغيبية وهو الله جل جلاله .. فلابد أن نؤمن بكل ما يخبرنا عنه وأن لم نره .. ولقد أراد الله تبارك وتعالى رحمة بعقولنا أن يقرب لنا قضية الغيب فأعطانا من الكون المادي أدلة على أن وجود الشيء، وإدراك هذا الوجود شيآن منفصلان تماما..
فالجراثيم مثلا موجودة في الكون تؤدي مهمتها منذ بداية الخلق .. وكان الناس يشاهدون آثار الأمراض في أجسادهم من ارتفاع في الحرارة وحمى وغير ذلك وهم لا يعرفون السبب .. فلما ارتقى العلم وأذن الله لخلقه أن يروا هذا الوجود للجراثيم .. جعل الله العقول قادرة على أن تكتشف المجهر .. الذي يعطينا الصورة مكبرة .. لأن العين قدرتها البصرية أقل من أن نرى هذا الجراثيم .. ونعرف أن لها دورة حياة وتكاثر إلي غير ما يكشفه الله لنا من علم كما تقدم الزمن..
إن عدم قدرتنا على رؤية أي شيء لا يعني أنه غير موجود .. ولكن آلة الإدراك ـ وهي البصر ـ عاجزة عن أن تراه، لأنه غاية في الصغر .. فإذا جئت بالمجهر كبر لك هذا الميكروب ليدخل في نطاق وسيلة رؤيتك وهي العين .. ورؤيتنا للجراثيم والميكروبات ليست دليلا على أنها خلقت ساعة رأيناها .. بل هي موجودة تؤدي مهمتها .. سواء رأيناها أو لم نرها.
فلو حدثنا أحد عن الميكروبات والجراثيم قبل أن نراها رؤية العين .. هل كنا نصدق؟ .. والله سبحانه وتعالى ترك بعض خلقه غير مدرك في زمنه لبعض حقائق الكون ليرتقي الإنسان ويدرك بعد ذلك .. وكان المفروض أنه يزداد إيمانا .. عندما يدرك وليعرف الخلق بالدليل المادي أن ما هو غيب عنهم موجود وأن كنا لا نراه..
والله تبارك وتعالى قد أعطانا من آياته في الكون ما يجعلنا ندرك أن لهذا الكون خالقا .. فالشمس والقمر والنجوم والأرض والإنسان والحيوان والجماد لا يستطيع أحد أن يدعي أنه خلقهم .. ولا أحد يمكن أن يدعي أنه خلق نفسه أو غيره .. ولا يمكن لهذا الكون بهذا النظام الدقيق أن يوجد بالصدفة .. لأن الصدفة أحداث غير مرتبة أو غير منظمة .. ولو وجد هذا الكون بالصدفة لتصادمت الشمس والقمر والنجوم والأرض ولاختل الليل والنهار..
ولكن كل ما في الكون من آيات يؤكد لنا أن هناك قوة هائلة هي التي خلقت ونظمت وأبدعت .. فإذا جاءنا رسول يبلغنا أن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق هذا الكون فلابد أن نصدقه.
ثم يقول الحق سبحانه وتعالى: "ومما رزقناهم ينفقون" .. وحين نتكلم عن الرزق يظن كثير من الناس أن الرزق هو المال .. نقول له لا .. الرزق هو ما ينتفع به فالقوة رزق، والعلم رزق .. فإن لم يكن عندك مال لتنفق منه فعندك عافية تعمل بها لتحصل على المال .. وتتصدق بها على العاجز والمريض .. وإن كان عندك حلم .. فإنك تنفقه بأن تقي الأحمق من تصرفات قد تؤذي المجتمع وتؤذيك .. وأن كان عندك علم أنفقه لتعلم الجاهل .. وهكذا نرى: "ومما رزقناهم ينفقون" تستوعب جميع حركة الحياة.
الشيخ الطبيب الإدارة
برجك الروحانى : عدد الرسائل : 899 العمر : 41 من أى دولة : مصر السٌّمعَة : -1 نقاط : 1769 تاريخ التسجيل : 28/05/2007
موضوع: رد: خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى ( تفسير الشعراوى ) الأحد 20 فبراير - 15:42
سورة البقرة (والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون "4")
الحق سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة يعطينا صفات أخرى من صفات المؤمنين .. فبعد أن أبلغنا أن من صفات المؤمنين الإيمان بالغيب وإقامة الصلاة والإنفاق مما رزقهم الله .. يأتي بعد ذلك إلي صفات أخرى..
فهؤلاء المؤمنون هم: (الذين يؤمنون بما أنزل إليك) أي بالقرآن الكريم الذي أنزله الله سبحانه وتعالى .. و"بما أنزل من قبلك" وهذه لم تأت في وصف المؤمنين إلا في القرآن الكريم .. ذلك أن الإسلام عندما جاء كان عليه أن يواجه صنفين من الناس .. الصنف الأول هم الكفار وهم لا يؤمنون بالله ولا برسول مبلغ عن الله .. وكان هناك صنف آخر من الناس .. هم أهل الكتاب يؤمنون بالله ويؤمنون برسل عن الله وكتب عن الله..
والإسلام واجه الصنفين .. لأن أهل الكتاب ربما ظنوا أنهم على صلة بالله .. يؤمنون به ويتلقون منه كتبا ويتبعون رسلا وهذا في نظرهم كاف .. نقول لا .. فالإسلام جاء ليؤمن به الكافر، ويؤمن به أهل الكتاب، ويكون الدين كله لله.. والله سبحانه وتعالى في كتبه التي أنزلها أخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن اسمه وأوصافه .. وطلب من أهل الكتاب الذين سيدركون رسالته صلى الله عليه وسلم أن يؤمنوا به..
ولقد أعطى الله جل جلاله أوصاف رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل الكتاب حتى إنهم كانوا يعرفونه كما يعرفون أبناءهم .. بل كانت معرفتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وزمنه وأوصافه معرفة يقينية .. وكان يهود المدينة يقولون للكفار .. أطل زمن رسول سنؤمن به ونقتلكم قتل عاد وإرم .. فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا أول من حاربه وأنكر نبوته .. فأوصاف رسول الله عليه الصلاة والسلام موجودة في التوراة والإنجيل .. ولذلك كان أهل الكتاب ينذرون الكفار بأنهم سيؤمنون بالرسول الجديد ويسودون به العرب .. واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى:
{ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين "89" } (سورة البقرة)
أي أن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم لم تكن مفاجئة لأهل الكتاب بل كانوا ينتظرونها .. كانوا يؤكدون أنهم سيؤمنون بها كما تأمرهم بها كتبهم .. ولكنهم رفضوا الإيمان وأنكروا الرسالة عندما جاء زمنها..
ثم يقول سبحانه وتعالى: "وبالآخرة هم يوقنون" ونلاحظ هنا أن كلمة (وبالآخرة) قد جاءت .. لأنك إذا تصفحت التوراة التي هي كتاب اليهود، أو قرأت التلمود لا تجد شيئا عن اليوم الآخر .. فقد أخذوا الأمر المادي فقط من كتبهم .. والله تبارك وتعالى أكد الإيمان باليوم الآخر حتى عرف الذين يقولون آمنا بالله وكتبه ورسله ولا يلتفتون إلي اليوم الآخر أنهم ليسوا بمؤمنين .. فلو لم يجئ هذا الوصف في القرآن الكريم ربما قالوا أن الإسلام موافق لما عندنا .. ولكن الله جل جلاله يريد تصوير الإيمان تصويراً كماليا بأن الإيمان بالله قمة ابتداء والإيمان باليوم الآخر قمة انتهاء .. فمن لم يؤمن بالآخرة وأنه سيلقى الله وسيحاسبه .. وأن هناك جنة ينعم فيها المؤمن، وناراً يعذب فيها الكافر يكون إيمانه ناقصا .. ويكون قد اقترب من الكافر الذي جعل الدنيا غايته وهدفه..
فالمؤمن يتبع منهج الله في الدنيا ليستحق نعيم الله في الآخرة .. فلو أن الآخرة لم تكن موجودة، لكان الكافر أكثر حظا من المؤمن في الحياة .. لأنه أخذ من الدنيا ما يشتهيه ولم يقيد نفسه بمنهج، بل أطلق لشهواته العنان .. بينما المؤمن قيد حركته في الحياة طبقا لمنهج الله وتعب في سبيل ذلك. ثم يموت الاثنان وليس بعد ذلك شيء .. فيكون الكافر هو الفائز بنعم الدنيا وشهواتها. والمؤمن لا يأخذ شيئا والأمر هنا لا يستقيم بالنسبة لقضية الإيمان .. ولذلك كان الإيمان بالله قمة الإيمان بداية والإيمان بالآخرة قمة الإيمان نهاية.
الشيخ الطبيب الإدارة
برجك الروحانى : عدد الرسائل : 899 العمر : 41 من أى دولة : مصر السٌّمعَة : -1 نقاط : 1769 تاريخ التسجيل : 28/05/2007
موضوع: رد: خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى ( تفسير الشعراوى ) الأحد 20 فبراير - 15:43
سورة البقرة
(أولئك على هدىً من ربهم وأولئك هم المفلحون "5")
والحق جل جلاله لم يكن يترك آدم في حياته على الأرض دون يعلمه ما يضمن استمرار حياته وحياة أولاده .. يعلمه على الأقل بدايات .. ثم بعد ذلك تتطور هذه البدايات بما يكشفه الله من علمه لخلقه .. وبعد ذلك جاءت القرون المتقدمة فاستطعنا أن نستخدم آلات حديثة متطورة تقوم بعملية الحرث والبذر..
ولكن الحقيقة الثابتة التي لم تتغير منذ بداية الكون ولن تتغير حتى نهايته .. هي أن مهمة الإنسان أن يحرث ويضع البذرة في الأرض ويسقيها .. أما نمو الزرع نفسه فلا دخل للإنسان فيه .. وكذلك الثمر الذي ينتجه لا عمل للإنسان فيه .. ولقد نبهنا الله تبارك وتعالى إلي هذه الحقيقة حتى لا نغتر بحركتنا في الحياة ونقول إننا نحن الذين نزرع .. واقرأ قول الحق جل جلاله في سورة الواقعة:
{أفرءيتم ما تحرثون "63" ءأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون "64" لو نشاء لجعلنه حطاماً فظلتم تفكهون "65" إنا لمغرمون "66" بل نحن محرمون "67"} (سورة الواقعة)
وهكذا ظلت مهمة الفلاحة في الأرض مقتصرة على الحرث والسقي والبذر، وحينما تلقى الحبة في الأرض يخلق الله في داخلها الغذاء الذي يكفيها حتى تستطيع أن تأخذ غذاءها من الأرض .. وإذا جئت بحبة وبللتها تجد أنها قد نبت لها ساق وجذور .. من أين جاء هذا النمو؟. من نفس تكوين الحبة.
والله تبارك وتعالى قد قدر في كل حبة من الغذاء المطلوبة يكون حجم الحبة .. وحين تضعها في الأرض فإنها تبدأ أولا بأن تغذي نفسها .. بحيث ينبت لها ساق وجذور وورقتان تتنفس منهما .. كل هذا لا دخل لك فيه ولا عمل لك فيه .. وتبدأ الحبة تأخذ غذاءها من الأرض والهواء .. لتنمو حتى تصبح شجرة كبيرة تنتج الثمر من نفس نوع البذرة.
ومن هنا جاءت كلمة (المفلحون) .. ليعطينا الحق جل جلاله من الأمور المادية المشهودة ما يعين عقولنا المحدودة على فهم الغيب .. فيشبه التكليف وجزاءه في الآخرة بالبذور والفلاحة .. أولا لأنك حين ترمي بذرة في الأرض تعطيك بذورا كثيرة..
واقرأ قول الله سبحانه وتعالى:
{مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلةٍ مائة حبةٍ والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم "261"} (سورة البقرة)
وإذا كانت الأرض وهي المخلوقة من الله تهبك أضعاف أضعاف ما أعطيتها .. فكيف بالخالق؟ .. وكم يضاعف لك من الثواب في الطاعة؟ .. هذا هو السبب في أن الحق تبارك وتعالى يقول: "وأولئك هم المفلحون" .. حتى يلفتنا بمادة الفلاحة .. وهي شيء موجود نراه ونشهده كل يوم.
وكما أن التكليف يأخذ منك أشياء ليضاعفها لك .. كذلك الأرض أخذت منك حبة ولم تعطك مثل ما أخذت، بل أعطتك بالحبة سبعمائة حبة .. وهكذا نستطيع أن نصل بشيء مشهود يفصل لنا شيئا غيبيا.
الشيخ الطبيب الإدارة
برجك الروحانى : عدد الرسائل : 899 العمر : 41 من أى دولة : مصر السٌّمعَة : -1 نقاط : 1769 تاريخ التسجيل : 28/05/2007
موضوع: رد: خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى ( تفسير الشعراوى ) الأحد 20 فبراير - 15:44
سورة البقرة
(إن الذين كفروا سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون "6")
وبعد أن تحدث الحق سبحانه وتعالى عن المؤمنين وصفاتهم .. وجزائهم في الآخرة وما ينتظرهم من خير كبير .. أراد أن يعطينا تبارك وتعالى الصورة المقابلة وهم الكافرون .. وبين لنا أن الإيمان جاء ليهيمن على الجميع يحقق لهم الخير في الدنيا والآخرة .. فلابد أن يكون هناك شر يحاربه الإيمان .. ولولا وجود هذا الشر .. أكان هناك ضرورة للإيمان .. إن الإنسان المؤمن يقي نفسه ومجتمعه وعالمه من شرور يأتي بها الكفر..
والكافرون قسمان .. قسم كفر بالله أولا ثم استمع إلي كلام الله .. واستقبله بفطرته السليمة فاستجاب وآمن .. وصنف آخر مستفيد من الكفر ومن الطغيان ومن الظلم ومن أكل حقوق الناس وغير ذلك .. وهذا الصنف يعرف أن الإيمان إذا جاء فإنه سيسلبه جاها دنيويا ومكاسب يحققها ظلما وعدوانا.. إذن الذين يقفون أمام الإيمان هم المستفيدون من الكفر .. ولكن ماذا عن الذين كانوا كفارا واستقبلوا دين الله استقبالا صحيحا...هؤلاء قد تتفتح قلوبهم فيؤمنون.
والكفر معناه الستر .. ومعنى كفر (أي) ستر .. وكفر الله أي ستر وجود الله جل جلاله .. والذي يستر لابد أن يستر موجودا، لأن الستر طارئ على الوجود .. والأصل في الكون هو الإيمان بالله .. وجاء الكفار يحاولون ستر وجود الله. فكأن الأصل هو الإيمان ثم طرأت الغفلة على الناس فستروا وجود الله سبحانه وتعالى .. ليبقوا على سلطانهم أو سيطرتهم أو استغلالهم أو استعلائهم على غيرهم من البشر..
ولفظ الكفر ذاته يدل على أن الإيمان سبق ثم بعد ذلك جاء الكفر .. كيف؟.. لأن الخلق الأول وهو آدم الذي خلقه الله بيديه .. ونفخ فيه من روحه وأسجد له الملائكة .. وعلمه الأسماء كلها..
سجود الملائكة وتعليم الأسماء أمر مشهدي بالنسبة آدم .. والكفر ساعتها لم يكن موجودا .. وكان المفروض أن آدم بعد أن نزل إلي الأرض واستقر فيها .. يلقن أبناءه منهج عبادة الله لأنه نزل ومعه المنهج في (افعل ولا تفعل) وكان على أبناء آدم أن يلقنوا أبناءهم المنهج وهكذا.. ولكن بمرور الزمن جاءت الغفلة في أن الإيمان يقيد حركة الناس في الكون .. فبدأ كل من يريد أن يخضع حياته لشهوة بلا قيود يتخذ طريق الكفر .. والعاقل حين يسمع كلمة كفر .. يجب عليه أن يتنبه إلي أن معناها ستر لموجود واجب الوجود .. فكيف يكفر الإنسان ويشارك في ستر ما هو موجود .. لذلك تجد أن الحق سبحانه وتعالى يقول:
{كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون "28" هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ثم استوى إلي السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم "29"} (سورة البقرة)
وهكذا يأتي هذا السؤال .. ولا يستطيع الكافر له جوابا!! لأن الله هو الذي خلقه وأوجده .. ولا يستطيع أحد منا أن يدعي أنه خلق نفسه أو خلق غيره .. فالوجود بالذات دليل على قضية الإيمان .. ولذلك يسألهم الحق تبارك وتعالى كيف تكفرون بالله وتسترون وجود من خلقكم؟..
والخلق قضية محسومة لله سبحانه وتعالى لا يستطيع أحد أن يدعيها .. فلا يمكن أن يدعي أحد أنه خلق نفسه .. قضية أنك موجود توجب الإيمان بالله سبحانه وتعالى الذي اوجدك .. أنه عين الاستدلال على الله .. وإذا نظر الإنسان حوله فوجد كل ما في الكون مسخر لخدمته والأشياء تستجيب له فظن بمرور الزمن أن له سيطرة على هذا الكون .. ولذلك عاش وفي ذهنه قوة الأسباب .. يأخذ الأسباب وهو فاعلها فيجدها قد أعطته واستجابت له .. ولم يلتفت إلي خالق الأسباب الذي خلق لها قوانينها فجعلها تستجيب للإنسان .. وقد أشار الحق تبارك وتعالى إلي ذلك في قوله جل جلاله:
{كلا إن الإنسان ليطغى "6" أن رآه استغنى "7" } (سورة العلق)
ذلك أن الإنسان يحرث الأرض فتعطيه الثمر .. فيعتقد أنه هو الذي اخضع الأرض ووضع لها قوانينها لتعطيه ما يريد .. يضغط على زر الكهرباء فينير المكان فيعتقد أنه هو الذي اوجد الكهرباء! يركب الطائرة .. وتسير به في الجو فيعتقد أنه هو الذي جلها تطير .. وينسى الخصائص التي وضعها الله سبحانه وتعالى في الغلاف الجوي ليستطيع أن يحمل هذه الطائرة .. يفتح التليفزيون ويرى أمامه أحداث العالم فيعتقد أن ذلك قد حدث بقدرته هو .. وينسى أن الله تبارك وتعالى وضع في الغلاف الجوي خصائص جعلته ينقل الصوت والصورة أنه أخضعه بذاته .. بينما كل هذا مسخر من الله سبحانه وتعالى لخدمة الإنسان .. وهو الذي خلق ووضع القوانين .. نقول له أنك لو فهمت معنى ذاتية الأشياء ما حدثتك نفسك بذلك .. الشيء الذاتي هو ما كان بذاتك لا يتغير ولا يتخلف أبدا .. إنما الأمر الذي ليس بذاتك هو الذي يتغير..وإذا نظرت إلي ذاتيتك تلك التي أغرتك وأطغتك .. ستفهم أن كلمة ذاتية هي ألا تكون محتاجا لغيرك بل كل شيء من نفسك .. وأنت في حياتك كلها ليس لك ذاتية .. لأن كل شيء حولك متغير بدون إرادتك .. وأنت طفل محتاج لأبيك وأمك في بدء حياتك .. فإذا كبرت وأصبح لك قوة واستجابت الأحداث لك فإنك لا تستطيع أن تجعل فترة الشباب والفتوة هذه تبقى .. فالزمن يملك ولكن لفترة محدودة .. فإذا وصلت إلي مرحلة الشيخوخة ستحتاج إلي من يأخذ بيدك ويعينك .. ربما على أدق حاجاتك وهي الطعام والشراب..
إذن فأنت تبدأ بالطفولة محتاجا إلي غيرك .. وتنتهي بالشيخوخة محتاجا لغيرك .. وحتى عندما تكون في شبابك قد يصيبك مرض يقعدك عن الحركة .. فإذا كانت لك ذات حقيقية فأدفع هذا المرض عنك وقل لن أمرض .. أنك لا تستطيع..
والله سبحانه وتعالى اوجد هذه المتغيرات حتى ينتهي الغرور من نفس الإنسان .. ويعرف أنه قوي قادر بما أخضع لله له من قوانين الكون .. لنعلم أننا جميعا محتاجون إلي القادر، وهو الله سبحانه وتعالى، وأن الله غني بذاته عن كل خلقه .. يغير ولا يتغير .. يميت وهو دائم الوجود .. يجعل من بعد قوة ضعفا وهو القوي دائما .. ما عند الناس ينفد وما عنده تبارك وتعالى لا ينفد أبداً .. هو الله في السماوات والأرض.
إذن فليست لك ذاتية حتى تدعي أنك أخضعت الكون بقدراتك .. لأنه ليس لك قدرة أن تبقى على حال واحد وتجعله لا يتبدل ولا يتغير .. فكيف تكفر بالله تبارك وتعالى وتستر وجوده .. كل ما في الكون وما في نفسك شاهد ودليل على وجود الحق سبحانه وتعالى..
قلنا أن الكافرين صنفان .. صنف كفر بالله وعندما جاء الهدى حكم عقله وعرف الحق فآمن .. والصنف الآخر مستفيد من الكفر .. ولذلك فهو متشبث به مهما جاءه من الإيمان والأدلة الإيمانية فإنه يعاند ويكفر .. لأنه يريد أن يحتفظ بسلطاته الدنيوية ونفوذه القائم على الظلم والطغيان .. ولا يقبل أن يجرد منهما ولو بالحق .. هذا القسم هو الذي قال عنه الله تبارك وتعالى: "إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون" لأنهم لم يكفروا لأن بلاغا عن الله سبحانه وتعالى لم يصلهم .. ولم يكفروا لأنهم في حاجة إلي أن يلفتهم رسول أو نبي إلي منهج الله .. هؤلاء اتخذوا الكفر صناعة ومنهج حياة .. فهم مستفيدون من الكفر لأنه جعلهم سادة ولأنهم متميزون عن غيرهم بالباطل .. ولأنهم لو جاء الإيمان الذي يساوي بين الناس جميعا ويرفض الظلم، لأصبحوا أشخاصا عاديين غير مميزين في أي شيء..
هذا الكافر الذي اتخذ الكفر لجاه الدنيا وزخرفها .. سواء أنذرته أو لم تنذره فإنه لن يؤمن .. أنه يريد الدنيا التي يعيش فيها .. بل أن هؤلاء هم الذين يقاومون الدين ويحاربون كل من آمن .. لأنهم يعرفون أن الإيمان سيسلبهم مميزات كثيرة .. ولذلك فإن عدم إيمانهم ليس عن أن منهج الإيمان لم يبلغهم .. أو أن أحدا لم يلفتهم إلي آيات الله في الأرض .. ولكن لأن حياتهم قائمة ومبنية على الكفر.
الشيخ الطبيب الإدارة
برجك الروحانى : عدد الرسائل : 899 العمر : 41 من أى دولة : مصر السٌّمعَة : -1 نقاط : 1769 تاريخ التسجيل : 28/05/2007
موضوع: رد: خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى ( تفسير الشعراوى ) الأحد 20 فبراير - 15:44
سورة البقرة
(ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصرهم غشاوة ولهم عذاب عظيم "7")
وكما أعطانا الحق سبحانه وتعالى أوصاف المؤمنين يعطينا صفات الكافرين .. وقد يتساءل بعض الناس إذا كان هذا هو حكم الله على الكافرين؟ فلماذا يطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان منهم وقد ختم الله على قلوبهم؟! ومعنى الختم على القلب هو حكم بألا يخرج من القلب ما فيه من الكفر .. ولا يدخل إليه الإيمان..
نقول أن الله سبحانه وتعالى غني عن العالمين .. فإن استغنى بعض خلقه عن الإيمان واختاروا الكفر .. فإن الله يساعده على الاستغناء ولا يعينه على العودة إلي الإيمان .. ولذلك فإن الحق سبحانه وتعالى يقول في حديث قدسي: "أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني .. فإن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، وإن اقترب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، وإن اقترب إلي ذراعا اقتربت إليه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة".
وقد وضح الحديث القدسي أن الله تبارك وتعالى يعين المؤمنين على الإيمان، وأن الله جل جلاله كما يعين المؤمنين على الإيمان .. فإنه لا يهمه أن يأتي العبد إلي الإيمان أو لا يأتي .. ولذلك نجد القرآن دقيقا ومحكما بأن من كفروا قد اختاروا الكفر بإرادتهم. واختيارهم للكفر كان أولا قبل أن يختم الله على قلوبهم .. والخالق جل جلاله أغنى الشركاء عن الشرك .. ومن أشرك به فإنه في غنى عنه.
أن الذين كفروا .. أي ستروا الإيمان بالله ورسوله .. هؤلاء يختم الله بكفرهم على آلات الإدراك كلها .. القلب والسمع والبصر. والقلب أداة إدراك غير ظاهرة .. وقد قدم الله القلب على السمع والبصر في تلك الآية لأنه يريد أن يعلمنا منافذ الإدراك .. وفي القرآن الكريم يقول الحق تبارك وتعالى:
{والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون "78" } (سورة النحل)
وهكذا يعلمنا الله أن منافذ العلم في الإنسان هي السمع والأبصار والأفئدة .. ولكن في الآية الكريمة التي نحن بصددها قدم الله القلوب على السمع والأبصار .. أن الله يعلم أنهم اختاروا الكفر .. وكان هذا الاختيار قبل أن يختم الله على قلوبهم .. والختم على القلوب .. معناه أنه لا يدخلها إدراك جديد ولا يخرج منها إدراك قديم .. ومهما رأت العين أو سمعت الأذن .. فلا فائدة من ذلك لأن هذه القلوب مختومة بخاتم الله بعد أن اختار أصحابها الكفر وأصروا عليه .. وفي ذلك يصفهم الحق جل جلاله:
{صم بكم عمي فهم لا يرجعون "18"} (سورة البقرة)
ولكن لماذا فقدوا كل أدوات الإدراك هذه؟ .. لأن الغشاوة التفت حول القلوب الكافرة، فجعلت العيون عاجزة عن تأمل آيات الله .. والسمع غير قادر على التلقي من رسول الله صلى الله عليه وسلم.. إذن فهؤلاء الذين اختاروا الكفر وأصروا عليه وكفروا بالله رغم رسالاته ورسله وقرآنه .. ماذا يفعل الله بهم؟ أنه يتخلى عنهم. ولأنه سبحانه وتعالى غني عن العالمين فإنه ييسر لهم الطريق الذي مشوا فيه ويعينهم عليه .. واقرأ قوله تبارك وتعالى:
{ومن يَعْشُ عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين "36" } (سورة الزخرف)
ويقول جل جلاله:
{هل أنبئكم على من تنزل الشيطان "221" تنزل على كل أفاكٍ أثيمٍ "222" } (سورة الشعراء)
ومن عظمة علم الله تبارك وتعالى أنه يعلم المؤمن ويعلم الكافر .. دون أن يكون جل جلاله تدخل في اختيارهم .. فعندما بعث الله سبحانه وتعالى نوحا عليه السلام .. ودعا نوح إلي منهج الله تسعمائة وخمسين عاما. وقبل أن يأتي الطوفان علم الله سبحانه وتعالى أنه لن يؤمن بنوح عليه السلام إلا من آمن فعلا .. فطلب الله تبارك وتعالى من نوح أن يبني السفينة لينجو المؤمنون من الطوفان .. واقرأ قوله جل جلاله:
{وأوحى إلي نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون "36" وأصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون "37"} (سورة هود)
وهكذا نرى أنه من عظمة علم الله سبحانه وتعالى .. أنه يعلم من سيصر على الكفر وأنه سيموت كافرا .. وإذا كانت هذه هي الحقيقة فلماذا يطلب الله تبارك وتعالى من رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبلغهم بالمنهج وبالقرآن؟ .. ليكونوا شهداء على أنفسهم يوم القيامة .. فلا يأتي هؤلاء الناس يوم المشهد العظيم ويجادلون بالباطل .. أنه لو بلغهم الهدى ودعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لآمنوا .. ولكن لماذا يختم الله جل جلاله على قلوبهم؟ .. لأن القلب هو مكان العقائد .. ولذلك فإن القضية تناقش في العقل فإذا انتهت مناقشتها واقتنع بها الإنسان تماماً فإنها تستقر في القلب ولا تعود إلي الذهن مرة أخرى وتصبح عقيدة وإيمانا .. والحق سبحانه وتعالى يقول:
{فإنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور } (من الآية 46 سورة الحج)
وإذا عمى القلب عن قضية الإيمان .. فلا عين ترى آيات الإيمان .. ولا أذن تسمع كلام الله .. وهؤلاء الذين اختاروا الكفر على الإيمان لهم في الآخرة عذاب عظيم .. ولقد وصف الله سبحانه وتعالى العذاب بأنه أليم .. وبأنه مهين .. وبأنه عظيم .. العذاب الأليم هو الذي يسبب ألما شديدا .. والعذاب المهين هو الذي يأتي لأولئك الذين رفعهم الله في الدنيا .. وأحيانا تكون الإهانة أشد إيلاما للنفس من ألم العذاب نفسه .. أولئك الذين كانوا أئمة الكفر في الدنيا .. يأتي بهم الله تبارك وتعالى يوم القيامة أمام من اتبعوهم فيهينهم .. أما العذاب العظيم فإنه منسوب إلي قدرة الله سبحانه وتعالى .. لأنه بقدرات البشر تكون القوة محدودة .. أما بقدرات الله جل جلاله تكون القوة بلا حدود .. لأن كل فعل يتناسب مع فاعله .. وقدرة الله سبحانه وتعالى عظيمة في كل فعل .. وبما أن العذاب من الله جل جلاله فإنه يكون عذابا عظيما.
الشيخ الطبيب الإدارة
برجك الروحانى : عدد الرسائل : 899 العمر : 41 من أى دولة : مصر السٌّمعَة : -1 نقاط : 1769 تاريخ التسجيل : 28/05/2007
موضوع: رد: خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى ( تفسير الشعراوى ) الأحد 20 فبراير - 15:45
سورة البقرة
(ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين "8")
الناس في الحياة الدنيا على ثلاثة أحوال: إما مؤمن، وإما كافر، وإما منافق.
والله سبحانه وتعالى في بداية القرآن الكريم في سورة البقرة .. أراد أن يعطينا وصف البشر جميعا بالنسبة للمنهج وأنهم ثلاث فئات:
الفئة الأولى هم المؤمنون، عرفنا الله سبحانه وتعالى صفاتهم في ثلاث آيات في قوله تعالى: "الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم الفلحون"
والفئة الثانية هم الكفار، وعرفنا الله سبحانه وتعالى صفاتهم في آيتين في قوله تعالى: "إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم"
وجاء للمنافقين فعرف صفاتهم في ثلاث عشرة آية متتابعة، لماذا..؟ لخطورتهم على الدين، فالذي يهدم الدين هو المنافق، أما الكافر فنحن نقيه ونحذره، لأنه يعلن كفره. إن المنافق، يتظاهر أمامك بالإيمان، ولكنه يبطن الشر والكفر، وقد تحسبه مؤمنا، فتطلعه على أسرارك، فيتخذها سلاحا لطعن الدين .. وقد خلق الله في الإنسان ملكات متعددة، ولكن يعيش الإنسان في سلام مع نفسه، لابد أن تكون ملكاته منسجمة وغير متناقضة. فالمؤمن ملكاته منسجمة، لأنه اعتقد بقلبه في الإيمان ونطق لسانه بما يعتقد، فلا تناقض بين ملكاته أبداً.. والكافر قد يقال أنه يعيش في سلام مع نفسه، فقد رفض الإيمان وأنكره بقلبه ولسانه وينطق بذلك، ولكن الذي فقد السلام مع ملكاته هو المنافق، أنه فقد السلام مع مجتمعه وفقد السلام مع نفسه، فهو يقول بلسانه، ما لا يعتقد قلبه، يظهر غير ما يبطن، ويقول غير ما يعتقد، ويخشى أن يكشفه الناس، فيعيش في خوف عميق، وهو يعتقد أن ذلك شيء مؤقت سينتهي. ولكن هذا التناقض يبقى معه إلي آخر يوم له في الدنيا، ثم ينتقل معه إلي الآخرة، فينقض عليه، ليقوده إلي النار، واقرأ قوله تبارك وتعالى:
{حتى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعلمون "20" وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرةٍ وإليه ترجعون "21" } (سورة فصلت)
إذن كل ملكاتهم انقضت عليهم في الآخرة، فالسلام الذي كانوا يتمنونه لم يحققوه لا في حياتهم ولا في آخرتهم، فلسان المنافق يشهد عليه، ويداه تشهدان عليه، ورجلاه تشهدان عليه، والجلود تشهد عليه، فماذا بقى له؟ بينه وبين ربه تناقض، وبينه وبين نفسه تناقض، وبينه وبين مجتمعه تناقض، وبينه وبين آخرته تناقض. وبينه وبين الكافرين تناقض. يقول لسانه ما ليس في قلبه، وبماذا وصف الحق سبحانه وتعالى المنافقين؟ قال تعالى:
{ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين "8" } (سورة البقرة)
هذه أول صفات المنافقين في القرآن الكريم، يعلنون الإيمان وفي قلوبهم الكفر، ولذلك فإن إيمانهم كله تظاهر، إذا ذهبوا للصلاة لا تكتب لهم، لأنهم يتظاهرون بها، ولا يؤدونها عن إيمان، وإذا أدوا الزكاة، فإنها تكون عليهم حسرة، لأنهم ينفقونها وهم لها كارهون، لأنها في زعمهم نقص من مالهم. لا يأخذون عليها ثوابا في الآخرة، وإذا قتل واحد منهم في غزوة، انتابهم الحزن، والأسى، لأنهم أهدروا حياتهم ولم يقدموها في سبيل الله. وهكذا يكون كل ما يفعلونه شقاء بالنسبة لهم.
أما المؤمن فحين يصلي أو يؤدي الزكاة أو يستشهد في سبيل الله فهو يرجو داعىة، وأما المنافقون فإنهم يفعلون كل هذا، وهم لا يرجون شيئا .. فكأنهم بنفاقهم قد حكم عليهم الله سبحانه وتعالى بالشقاء في الدنيا والآخرة، فلاهم في الدنيا لهم متعة المؤمن فيما يفعل في سبيل الله، ولاهم في الآخرة لهم ثواب المؤمن فيما يرجو من الله.
الشيخ الطبيب الإدارة
برجك الروحانى : عدد الرسائل : 899 العمر : 41 من أى دولة : مصر السٌّمعَة : -1 نقاط : 1769 تاريخ التسجيل : 28/05/2007
موضوع: رد: خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى ( تفسير الشعراوى ) الأحد 20 فبراير - 15:46
سورة البقرة
(يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون "9")
وتأتي الصفة الثانية من صفات المنافقين، وهي صفة تدل على غفلتهم وحمق تفكيرهم، فإنهم يحسبون أنهم بنفاقهم يخدعون الله سبحانه وتعالى، وهل يستطيع بشر أن يخدع رب العالمين؟
إن الله عليم بكل شيء، عليم بما نخفي وما نعلن، عليم بالسر وما هو أخفى من السر، وهل يوجد ما هو أخفى من السر؟ نقول نعم، السر هو ما أسررت به لغيرك، فكأنه يعلمه اثنان، أنت ومن أسررت إليه. ولكن ما هو أخفى من السر، ما تبقيه في نفسك ولا تخبر به أحدا، أنه يظل في قلبك لا تسر به لإنسان، والله سبحانه وتعالى يقول:
{وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى "7"} (سورة طه)
فلا يوجد مخلوق، يستطيع أن يخدع خالقه، ولكنهم من غفلتهم، يحسبون أنهم يستطيعون خداع الله جل جلاله. وفي تصرفهم هذا لا يكون هناك سلام بينهم وبين الله. بل يكون هناك مقت وغضب.
وهم في خداعهم يحسبون أيضا أنهم يخدعون الذين آمنوا، بأنهم يقولون أمامهم غير ما يبطنون، ولكن هذا الخداع شقاء عليهم، لأنهم يعيشون في خوف مستمر، وهم دائما في قلق أو خوف من أن يكشفهم المؤمنون، أو يستمعوا إليهم في مجالسهم الخاصة، وهم يتحدثون بالكفر ويسخرون من الإيمان، ولذلك إذا تحدثوا لابد أن يتأكدوا أولا من أن أحدا من المؤمنين لا يسمعهم، ويتأكدوا ثانيا من أن أحدا من المؤمنين لن يدخل عليهم وهم يتحدثون، والخوف يملأ قلوبهم أيضا، وهم مع المؤمنين، فكل واحد منهم يخشى أن تفلت منه كلمة، تفضح نفاقه وكفره.
وهكذا فلا سلام بينهم وبين المؤمنين .. والحقيقة أنهم لا يخدعون إلا أنفسهم. فالله سبحانه وتعالى، يعلم نفاقهم، والمؤمنون قد يعلمون هذا النفاق، فإن لم يعلموه، فإن الله يخبرهم به، واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى:
{ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم "30"} (سورة محمد)
ألم يأت المنافقون إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليشهدوا أنه رسول الله ففضحهم الله أمام رسوله وأنزل قوله تعالى:
{إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون "1" } (سورة المنافقون)
جاء المنافقون إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم يشهدون بصدق رسالته، والله سبحانه وتعالى يعلم أن هذه الشهادة حق وصدق، لأنه جل جلاله، يعلم أن رسوله صلى الله عليه وسلم، صادق الرسالة، ولكنه في نفس الوقت يشهد بأن المنافقون كاذبون. كيف؟
كيف يتفق كلام الله مع ما قاله المنافقون ثم يكونون كاذبين؟
نقول: لأن المنافقين قالوا بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، فهم شهدوا بألسنتهم فقط أن محمدا صلى الله عليه وسلم رسول الله ولكن قلوبهم منكرة لذلك، مكذبة به، ولذلك فإن ما قاله المنافقون رغم أنه حقيقة إلا أنهم يكذبون، ويقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، لأن الصدق هو أن يوافق الكلام حقيقة ما في القلب، وهؤلاء كذبوا، لأنهم في شهادتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكونوا يعبرون عن واقع في قلوبهم، بل قلوبهم تكذب ما يقولون..
وهناك آيات كثيرة في القرآن الكريم يفضح الله سبحانه وتعالى فيها المنافقين وينبئ رسوله صلى الله عليه وسلم بما يضمرونه في قلوبهم، إذن فخداعهم للمؤمنين، رغم أنه خداع بشر لبشر، إلا أنه أحيانا تفلت ألسنتهم، فتعرف حقيقتهم، وإذا لم يفلت اللسان، جاء البيان من الله سبحانه وتعالى ليفضحهم، وتكون حصيلة هذا كله، أنهم لا يخدعون أحدا، فالله يعلم سرهم وجهرهم، فمرة يعين الله المؤمنين عليهم فيكشفونهم، ومرة تفلت ألسنة المنافقين فيكشفون أنفسهم.
إذن فسلوك المنافق، لا يخدع به إلا نفسه، وهو الخاسر في الدنيا والآخرة، عندما يؤدي عملا إيمانيا، فالله يعلم أنه نفاق، وعندما يحاول أن يخدع المؤمنين، ينكشف، والنتيجة أنهم حققوا لأنفسهم نفعا، بينما هم لم يحققوا لأنفسهم إلا الخسران المبين.
الشيخ الطبيب الإدارة
برجك الروحانى : عدد الرسائل : 899 العمر : 41 من أى دولة : مصر السٌّمعَة : -1 نقاط : 1769 تاريخ التسجيل : 28/05/2007
موضوع: رد: خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى ( تفسير الشعراوى ) الأحد 20 فبراير - 15:46
سورة البقرة
(في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون "10")
فالله سبحانه وتعالى، شبه ما في قلوب المنافقين بأنه مرض، والمرض أولا يورث السقم، فكأن قلوبهم لا تملك الصحة الإيمانية التي تحيي القلب فتجعله قويا شابا، ولكنها قلوب مريضة، لماذا كانت مريضة؟ لقد أتعبها النفاق وأتعبها التنافر مع كل ما حولها، وأحست أنها تعيش حياة ملؤها الكذب، فاضطراب القلب، جعله مريضا، ولا يمكن أن يشفى إلا بإذن الله، وعلاجه هو الإيمان الحقيقي الصادق، ذلك الذي يعطيه الشفاء، والله سبحانه وتعالى يقول:
{وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً "82" } (سورة الإسراء)
إذن فالإيمان والقرآن هما شفاء القلوب، كلاهما بعيد عن قلوب هؤلاء المنافقين، فكأن المرض يزداد في قلوبهم مع الزمن، والله سبحانه وتعالى ـ بنفاقهم وكفرهم ـ يزيدهم مرضا.
وهذه هي الصفة الثالثة للمنافقين .. أنهم أصحاب قلوب مريضة سقيمة، لا يدخلها نور الإيمان، ولذلك فهي قلوب ضعيفة، ليس فيها القوة اللازمة لمعرفة الحق. وهي قلوب خائفة من كل ما حولها، مرتعبة في كل خطواتها، مضطربة بين ما في القلب وما على اللسان، والمريض لا يقوى على شيء وكذلك هذه القلوب لا تقوى على قول الحق، ولا تقوى على الصدق، ولا ترى ما حولها، تلك الرؤية التي تتناسب وتتفق مع فطرة الإيمان، التي وضعها الله تعالى في القلوب،
ولذلك إذا دخل المنافقون في معركة في صفوف جيش المسلمين .. فأول ما يبحثون عنه هو الهرب من المعركة، يبحثون عن مخبأ يختفون فيه، أو مكان لا يراهم فيه أحد، والله سبحانه وتعالى يصفهم بقوله:
{لو يجدون ملجئاً أو مغارات أو مدخلاً لولوا إليه وهم يجمحون "57"} (سورة التوبة)
لماذا؟ لأنهم أصحاب قلوب مريضة، لا تقوى على شيء، ومرضها يجعلها تهرب من كل شيء، وتختفي.
وليت الأمر يقتصر عند هذا الحد، ولكن ينتظرهم في الآخرة عذاب أليم، غير العذاب الذي عانوه من قلوبهم المريضة في الدنيا، فبما كانوا يكذبون على الله وعلى رسوله، ينتظرهم في الآخرة عذاب أليم أشد من عذاب الكافرين، والله سبحانه وتعالى يقول:
{إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار } (من الآية 145 سورة النساء)
الشيخ الطبيب الإدارة
برجك الروحانى : عدد الرسائل : 899 العمر : 41 من أى دولة : مصر السٌّمعَة : -1 نقاط : 1769 تاريخ التسجيل : 28/05/2007
موضوع: رد: خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى ( تفسير الشعراوى ) الأحد 20 فبراير - 15:48
سورة البقرة
(وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون "11")
الفساد في الأرض هو أن تعمد إلي الصالح فتفسده، وأقل ما يطلب منك في الدنيا، أن تدع الصالح لصلاحه، ولا تتدخل فيه لتفسده، فإن شئت أن ترتقي إيمانيا، تأتي للصالح، وتزيد من صلاحه، فإن جئت للصالح وأفسده فقد أفسدت فسادين، لأن الله سبحانه وتعالى، أصلح لك مقومات حياتك في الكون، فلم تتركها على الصلاح الذي خلقت به، وكان تركها في حد ذاته، بعدا عن الفساد، بل جئت إليها، وهي صالحة بخلق الله لها فأفسدتها، فأنت لم تستقبل النعمة الممنوحة لك من الله، بأن تتركها تؤدي مهمتها في الحياة، ولم تزد في مهمتها صلاحا، ولكنك جئت إلي هذه المهمة فأفسدتها .. فلو أن هناك بئرا يشرب منها الناس، فهذه نعمة لضرورة حياتهم، تستطيع أنت بأسباب الله في كون الله أن تأتي وتصلحها، بأن تبطن جدرانها بالحجارة، حتى تمنع انهيار الرمال داخلها، أو أن تكون قد أفسدت الصالح في الحياة.
وهكذا المنافقون .. أنزل الله تعالى منهجا للحياة الطيبة للإنسان على الأرض، وهؤلاء المنافقون بذلوا كل ما في جهدهم لإفساد هذا المنهج، بأن تآمروا ضده وادعوا أنه مؤمنون به ليطعنوا الإسلام في داخله. ولقد تنبه أعداء الإسلام، إلي أن هذا الدين القوي الحق، لا يمكن أن يتأثر بطعنات الكفر، بل يواجهها ويتغلب عليها. فما قامت معركة بين حق وباطل إلا انتصر الحق، ولقد حاول أعداء الإسلام أن يواجهوه سنوات طويلة، ولكنهم عجزوا، ثم تنبهوا إلي أن هذا الدين لا يمكن أن يهزم إلا من داخله، وأن استخدام المنافقين في الإفساد، هو الطريقة الحقيقية لتفريق المسلمين، فانطلقوا إلي المسلمين اسما ليتخذوا منهم الحربة التي يوجهونها ضد الإسلام، وظهرت مذاهب واختلافات، وما أسموه العلمانية واليسارية وغير ذلك، كل هذا قام به المنافقين في الإسلام وغلفوه بغلاف إسلامي، ليفسدوا في الأرض ويحاربوا منهج الله.
وإذا لفت المؤمنون نظرهم إلي أنهم يفسدون في الأرض، وطلبوا منهم أن يمتنعوا عن الإفساد، ادعوا أنهم لا يفسدون ولكنهم يصلحون، وأي صلاح في عدم اتباع منهج الله والخروج عليه بأي حجة من الحجج؟
الشيخ الطبيب الإدارة
برجك الروحانى : عدد الرسائل : 899 العمر : 41 من أى دولة : مصر السٌّمعَة : -1 نقاط : 1769 تاريخ التسجيل : 28/05/2007
موضوع: رد: خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى ( تفسير الشعراوى ) الأحد 20 فبراير - 15:49
سورة البقرة
(ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون "12")
وهكذا يعطينا الله سبحانه وتعالى حكمه عليهم بأنهم كما أنهم يخدعون أنفسهم ولا يشعرون ويحسبون أنهم يخدعون الله سبحانه وتعالى والمؤمنين. كذلك فإنهم يفسدون في الأرض ويدعون أنهم مصلحون، ولكنهم في الحقيقة مفسدون لماذا؟ .. لأن في قلوبهم كفراً وعداء لمنهج الله، فلو قاموا بأي عمل يكون ظاهره الإصلاح، فحقيقته هي الإفساد، تماماً كما ينطقون بألسنتهم بما ليس في قلوبهم.
والكون لا يصلح إلا بمنهج الله، فالله سبحانه وتعالى هو الذي خلق، وهو الذي أوجد، وهو أدرى بصنعته وبما يفسدها وبما يصلحها، لأنه هو الصانع، ولا يوجد من يعلم سر ما يصلح صنعته أكثر من صانعها.
ونحن في المنهج الدنيوي إذا أردنا إصلاح شيء اتجهنا لصانعه، فهو الذي يستطيع أن يدلنا على الإصلاح الحقيقي لهذا الشيء، فإذا لم يكن صانعه موجوداً في نفس البلدة .. اتجهنا إلي من دربهم الصانع على الإصلاح، أو إلي ما يسمونه "الكتالوج" الذي يبين لنا طريق الإصلاح، وبدون هذا لا نصلح، بل نفسد، والعجيب أننا نتبع هذه الطريقة في حياتنا الدنيوية، ثم نأتي إلي الإنسان والكون، فبدلا من أن نتجه إلي صانعه وخالقه لنأخذ عنه منهج الإصلاح، وهو أدرى بصنعته، نتيجة إلي خلق الله يضعون لنا المناهج التي تفسد، وظاهرها الإصلاح لكنها تزيد الأمور سوءا والغريب أننا نسمي هذا فلاحا، ونسميه تقدما. ولكن لماذا لا نتجه إلي الصانع أو الخالق، الذي أوجد وخلق؟ هو سبحانه وتعالى أدرى بخلقه وبما يصلحهم وما يفسدهم.
ومادام الحق سبحانه وتعالى، قد حكم على المنافقين، بأنهم هم المفسدون فذلك حكم يقيني، وكل من يحاول أن يغير من منهج الله، أو يعطل تطبيقه بحجة الإصلاح، فهو مفسد وإن كان لا يشعر بذلك، لأنه لو أراد إصلاحا لاتجه إلي ما يصلح الكون، وهو المنهج السماوي الذي أنزله خالق هذا الكون وصانعه، وهذا المنهج موجود ومبلغ ولا يخفي على أحد.
الشيخ الطبيب الإدارة
برجك الروحانى : عدد الرسائل : 899 العمر : 41 من أى دولة : مصر السٌّمعَة : -1 نقاط : 1769 تاريخ التسجيل : 28/05/2007
موضوع: رد: خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى ( تفسير الشعراوى ) الأحد 20 فبراير - 15:50
سورة البقرة
(وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون "13")
والسفهاء في قصد المنافقين هم الفقراء، ولكن ما معنى السفه في اللغة: السفه معناه الطيش والحمق والخفة في تناول الأمور، فهل تنطبق صفة السفيه على المؤمنين، الذين آمنوا بالله؟ أم أنها تنطبق على أولئك الذين لم يؤمنوا بالله، إذا كنتم تعتقدون أن الذين آمنوا هم السفهاء فلماذا تدعون الإيمان كذبا، لتكونوا سفهاء؟ لاشك أن هناك تناقضاً موجوداً في كل تصرفات المنافقين.
فالرسول صلى الله عليه وسلم يدعوهم للإيمان، والمسلمون يدعونهم للإيمان ولكنهم يصفون الذين آمنوا بأنهم سفهاء أي فقراء لا يملكون شيئاً، لأن سادة قريش لم يؤمنوا .. وهم يدعون أن الذين آمنوا، تصرفوا تصرفا أحمق، طائشاً، ولكن الغفلة هي المرض الذي يملأ قلوبهم، لا يجعلهم ينتبهون إلي حقيقة هامة، وهي أنهم يتظاهرون بالإيمان، ويدعون الإيمان ثم يصفون المؤمنين بالسفهاء، إذا كان هؤلاء سفهاء كما تدعون. فهل تتظاهرون بالإيمان لتصبحوا سفهاء مثلهم؟!
إن المنطق لا يستقيم ويدل على سفاهة عقول المنافقين، أن هذه العقول. لم تتنبه إلي أنها حينما وصفت المسلمين بالسفهاء، قد أدانت نفسها، لأن المنافقين يدعون أنهم مؤمنون، إذن فكل تصرفات المنافقين فيها تناقض. تناقض مع العقل والمنطق، هذا التناقض يأتي من تناقض ملكات النفس مع بعضها البعض .. فاللسان يكذب القلب. والعمل يكذب العقيدة. والتظاهر بالإيمان يحملهم مشقة الإيمان ولا يعطيهم شيئا من ثوابه. ولو كان لهم عقول، لتنبهوا إلي هذا كله، ولكنهم لا يشعرون وهم يمضون في هذا الطريق، طريق النفاق، إنهم يجسدون السفاهة بعينها، بكل ما تحمله من حمق واستخفاف، وعدم التنبه إلي الحقيقة، والرعونة التي يتصرفون بها، والله سبحانه وتعالى حين وصفهم بالسفهاء، كان وصفا دقيقاً، لحالتهم وطريقة حياتهم .
الشيخ الطبيب الإدارة
برجك الروحانى : عدد الرسائل : 899 العمر : 41 من أى دولة : مصر السٌّمعَة : -1 نقاط : 1769 تاريخ التسجيل : 28/05/2007
موضوع: رد: خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى ( تفسير الشعراوى ) الأحد 20 فبراير - 15:50
سورة البقرة
(وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلي شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزءون "14")
وهكذا يرينا الحق سبحانه، أن كل منافق له أكثر من حياة يحرص عليها، والحياة لكي تستقيم، يجب أن تكون حياة واحدة منسجمة مع بعضها البعض، ولكن انظر إلي هؤلاء .. مع المؤمنين يقولون آمنا، ويتخذون حياة الإيمان ظاهرا، أي أنهم يمثلون حياة الإيمان، كما يقول الممثل على المسرح بتمثيل دور شخصية غير شخصيته تماماً ..
حياتهم كلها افتعال وتناقض، فإذا بعدوا عن الذين آمنوا، يقول الحق تبارك وتعالى: "وإذا خلوا إلي شياطينهم".
وانظر إلي دقة الأداء القرآني، الشيطان هو الدس الخفي، الحق ظاهر وواضح، أما منهج الشيطان وتأمره فيحدث في الخفاء لأنه باطل والنفس لا تخجل من حق أبدا، ولكنها تخشى وتخاف وتحاول أن تخفي الباطل.
ولنضرب لذلك مثلا بسيطا، رجل يجلس مع زوجته في منزله، وطرق الباب طارق، ماذا يحدث؟ يقوم الرجل بكل اطمئنان، ويفتح الباب ليرى من الطارق، فإن وجده صديقاً أو قريبا أكرمه ورحب به وأصر على أن يدخل ليضيفه. وتقوم الزوجة بإعداد الطعام أو الشراب الذي سيقدم للضيف، نأخذ نفس هذه الحالة إذا كان الإنسان مع زوجة غيره في شقته وطرق الباب طارق، يحدث ارتباك عنيف، ويبحث الرجل عن مكان يخفي فيه المرأة التي معه، أو يبحث عن باب خفي ليخرجها منه، أو يحاول أن يطفئ الأنوار ويمنع الأصوات لعل الطارق يحس أنه لا يوجد أحد في المكان فينصرف، وقبل أن يخرج تلك المرأة المحرمة عليه، فإنه يفتح الباب بحرص، وينظر يمينا ويسارا ليتأكد هل يراه أحد، وعندما لا يجد أحدا يسرع بدفع المرأة إلي الخارج، لأنها إثم يريد أن يتخلص منه، وإذا نزل ليوصلها يمشي بعيدا عنها، ويظل يرقب الطريق، ليتأكد من أن أحدا لم يره، وعندما يركبان السيارة ينطلقان بأقصى سرعة.
هذا هو الفرق بين منهج الإيمان، ومنهج الشيطان، الحادثة واحدة، ولكن الذي اختلف هو الحلال والحرام. انظر كيف يتصرف الناس في الحلال .. في النور .. في الأمان، وكيف يتصرفون في الحرام ومنهج الشيطان في الظلام وفي الخفية ويحرصون على ألا يراهم أحد، ومن هنا تأتي دقة التعبير القرآني .. "وإذا خلو إلي شياطينهم".
إن منهج الشيطان يحتاج إلي خلوة، إلي مكان لا يراك فيه أحد، ولا يسمعك فيه أحد، لأن العلن في منهج الشيطان يكون فضيحة، ولذلك تجد غير المستقيم يحاول جاهدا أن يستر حركته في عدم الاستقامة، ومحاولته أن يستتر هي شهادة منه بأن ما يفعله جريمة وقبح، ولا يصح أن يعمله أحد عنه، ومادام لا يصح أن يراه أحد في مكان ما، فاعلم أنه يحس أن ما يفعله في هذا المكان هو من عمل الشيطان الذي لا يقره الله، ولا يرضى عنه.
ولابد أن نعلم أن القيم، هي القيم، حتى عند المنحرف، وقوله تعالى: "وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا" معناها أنهم عندما يتظاهرون بالإيمان يأخذون جانب العلن، بل ربما افتعلوه، وكان المفروض أن يكون المقابل عندما يخلون إلي شياطينهم أن يقولوا: لم نؤمن.
وهناك في اللغة جملة اسمية وجملة فعلية، الجملة الفعلية، تدل على التجدد، والجملة الاسمية تدل على الثبوت، فالمنافقون مع المؤمنين يقولون آمنا، إيمانهم غير ثابت، متذبذب، وعندما يلقون الكافرين، لو قالوا لم نؤمن، لأخذت صفة الثبات، ولكنهم في الفترة بين لقائهم بالمؤمنين، ولقائهم بالكافرين، الكفر متجدد، لذلك قالوا: "إنا معكم إنما نحن مستهزئون".
خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى ( تفسير الشعراوى )