أن انتهت مراسم حفل الزفاف الذي كان متميزاً في كل شيء: مـتـميزاً في بساطــته وبعـــده عــن التكلــف والإســراف، وفـي خـــلوه مــــن مـنـكــرات الأفــــراح ، اختلى العــــروسان في غــرفتهــما الـخـاصة، وما هي ســـوى لــــــــــــحظات حتى مـــد الـشاب يـــده ووضعـــــها على رأس عـــروسه، ثم دعـى بــالــدعاء المأثور
(اللهم إني أسألك من خيرها وخـيـــر ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه)
ثم تـوضأ وصلى بـها ركعــتين، وبعــدها رفعا أيديهـما بــالابتهـال إلى الله ( تـعـالى) أن يـوفقهـما في حــياتهـما الجـد يدة، وأن يــحـفــظ بـيتهما الصغير من كل شر، وأن يجمع بينهما في خـــير. بعـدها جلسا يحددان الأسس التي سوف يقوم عليها بناء حياتهما الزوجية، والمعالم التي سوف يستضيء بها زورقهما الصغــير وهو يسلك طريقه عبر الأمواج إلى بـــــر الأمـــــــــــــــــــــان.
فـكان مما اتــفــقـا علـيـــــه::
أولاً: سـلامة الـنـيـة: فــالنية هـي أســـاس الأمر ولـبه،، فبصلاحها يتحول العمل من عادة إلى عبادة، فــــــاتفقا على أن يعــقدا قـلـبـيـهـمــا على نية صالحة في زواجهما؛ بأن ينطلقا في حياتهما الزوجية من المنطلقات التالية:
الاستجابة لأمر النبي-صلى الله عـلـيه وسلم- لـــشـبـاب أمـتـه بالمبادرة إلى الزواج في مثل قوله
(يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنــــــه أغض للبصر وأحصن للفرج..)
وكذلك احتـسـاب إحصان الفرج وغض البصر وإعفاف النفس، احتساب أجر إقامة البيت المسلم وفق منهج الله واحتساب إنجاب الذرية الصالحة التي توحد الله واحتساب تربيتهم التربية الإسلامية؛ لعل الله أن يخرج منهم من يحمل همّ هذا الدين، ويقوده إلى النصر والتمكين فإذا عقد الزوجان قلبيهما على هذه النية: صارت كل لحظة من حياتهما الزوجية عبادة يؤجران عليها، فيا لها من أجور عظيمة.
ثـــانـيـاً: التعاون على الطاعة: بأن يحض كل منهما الآخر على عمل الخير ويشجعه عليه، قال: (رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فصلت، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل تصلي فأيقظت زوجها فصلى، فإن أبى نضحت في وجهه الماء)
ثــــالثاً : إقـــامة البيت المسلم والأسرة المسلمة وفق شرع الله وسنة نبيه-صلى الله عليه وسلم-، فلا يقْـدِمان على خطوة إلا بعد أن يعلما حكم الله ورسوله فيها، فإن علماه لم يُقَدّما عليـه شيئاً أبداً: عرفاً، أو عادة، أو هوى، ويستعليان بعقيدتهما، ويــقـفان بصلابة أمام التيار المضاد.
رابعـــاً : بـــناء حياتهما على المحبة والرحمة والمودة والعشرة الحسنة، امتثالاً لأمر الله ورسوله.
خامساً : لا تمنع المحبة والعشرة بالمعروف بين الزوجين من أن يكونا حـازمين مع بعضهما في التربية والتوجيه وخاصة من ناحية الزوج، فمحارم الله (عز وجل) لا مداهنة فيها، والتقصير في الأمور الشرعية لا يمكن السكوت عنه.
سادساً: أن يكونا لبعــضهما كما كان
أبوالدرداء وأم الدرداء (رضي الله عنهما) كانت إذا غضب سكتت واسترضته، وإذا غضبت سكت واسترضاها
وكان هذا منهجاً انتهجاه مــن يوم زواجـهـمــــا، ويـــاله من منهج حـكيم، فكم مــن البيوت هــدمت، وكم من الأسر انهارت بسبب غضب الزوجين معاً وعدم تحمل أحــدهما للآخر
سابعاً: الزوجان بشر: ومن طبيعة البشر الخطأ والنقص، فإن وقع الخطأ والتقصير من أحد الزوجين في حق الطرف الآخر - إذا كان من الأمور الدنيوية - فعلى الطرف الآخر الصفح والعفو، فلا ينسى حسنات دهـــــــر أمام زلة يوم، وعليهما أن يغضا الـطــــــرف عن الهفوات الصغيرة مع التنبيه بأســـلوب لطيف ليس فيه جرح للكرامة أو إهـــانة.
ثامناً: المشكلات والعيوب والنقائــص تبقى بين الزوجين فلا يطلع عليها الأهل والأقارب، لأن هذه الحياة حياة سرية ولا بد أن تبقى بين الزوجين، فالغالب على هذه المشاكل أنها إذا خـــرجت عن نـطـاق الــزوجـين فـــإنها تـتـطـور وتـتعـقــد.
تـــاسعاً:أخيراً اتفق الزوجان أن يوضح كل منهما للآخر من أول يوم أهــدافه في الحياة على المدى البعـيد والـقريب والوسائل التي يستخدمها للوصول إلى هذه الأهداف، فيكون لهما أهداف مشتركة يتعاونان عـليها، كما يكون لكل منهما أهداف خاصة به، ولا بأس من أن يـطـلـع زوجه عليها لكي يساعده عليها؛ ولا يقف حائلاً بينه وبين تحقيقها.
ولن أنسى أن الـــزوجان المباركان إذا وضعا هــذه الأسس نصب أعينهـما، وسـجــلاها في ورقـة يكون مع كل واحـد منهـما نسخة منها، بحيث تكون ميثاقاً بينهما يراجعانه بين الحين والحين، واتفقا بألا تكون هذه الأسس والمعالم حبراً على ورق، بل تـتـحــول إلى واقع يحاولان تطبيقه قدر المستطاع، ويذكر أحدهما الآخر بأن الـمـسـألــة صـعـبـة تحتاج إلى مجاهدة وصبر وتربية، وتعاهدا على المحاولة الجادة لـتـنـفـيــذهـا..
فهذه معالم مباركات لكل زوجين وكل شاب وشابة مقبلان على الزواج، ينشدان السعادة الزوجية..